أنزلته عليك وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي يعني وإذ تجعل وتصور من الطين كصورة الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها ذكر هنا فيها سورة آل عمران فيه يعني بالضمير في قوله فيها يعود إلى الهيئة بجعلها مصدرا كما يقع اسم الخلق على المخلوق وذلك لأن النفخ لا يكون في الهيئة إنما يكون في المهيأ وذي الهيئة ويجوز أن يعود الضمير إلى الطير لأنها مؤنثة قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ.
وأما الضمير المذكور في آل عمران في قوله فيه فيعود إلى الكاف يعني في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وإنما كرر قوله بإذني تأكيدا لكون ذلك الخلق واقعا بقدرة الله تعالى وتخليقه لا بقدرة عيسى عليه السلام وتخليقه لأن المخلوق لا يخلق شيئا إنما خالق الأشياء كلها هو الله تعالى لا خالق لها سواه وإنما كان الخلق لهذا الطير معجزة لعيسى عليه السلام أكرمه الله تعالى بها وكذا قوله تعالى: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي يعني وتشفي الأكمه وهو الأعمى المطموس البصر والأبرص معروف ظاهر وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى يعني من قبورهم أحياء بِإِذْنِي تفعل ذلك كله بدعائك والفاعل لهذه الأشياء كلها في الحقيقة هو الله تعالى لأنه هو المبرئ للأكمه والأبرص وهو محيي الموتى وهو على كل شيء قدير وإنما كانت هذه الأشياء معجزات لعيسى عليه السلام ووقعت بإذن الله تعالى وقدرته.
وقوله تعالى: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ يعني واذكر نعمتي عليك إذ كففت وصرفت عنك اليهود ومنعتك منهم حين أرادوا قتلك إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات التي ذكرت في هذه الآية وذلك أن عيسى عليه السلام لما أتى بهذه المعجزات العجيبة الباهرة قصد اليهود قتله فخلصه الله منهم ورفعه إلى السماء فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ يعني فقال الذين استمروا على كفرهم من اليهود ولم يؤمنوا بهذه المعجزات إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ يعني ما جاءهم به عيسى عليه السلام من المعجزات.
قوله عز وجل: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ يعني ألهمتهم وقذفت في قلوبهم فهو وحي إلهام كما أوحى إلى أم موسى وإلى النحل والحواريون هم أصحاب عيسى وخواصه أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي يعني عيسى عليه السلام قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ لما وفقهم الله للإيمان، قالوا: آمنا. وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام، لأن الإيمان من أعمال القلوب والإسلام هو الانقياد والخضوع في الظاهر والمعنى أنهم آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم. قوله تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ قال المفسرون: هذا على المجاز ولا يجوز لأحد أن يتوهم على الحواريين أنهم شكّوا في قدرة الله تعالى لكنه كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع أن تقوم معي؟ مع علمه بأنه يقدر على القيام وإنما قصد بقوله هل تستطيع هل يسهل عليك وهل يخف أن تقوم معي فكذلك. معنى الآية: لأن الحواريين كانوا مؤمنين عارفين بالله عز وجل ومعترفين بكمال قدرته وإنما قالوا ذلك ليحصل لهم مزيد الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي. ولا شك أن مشاهدة هذه الآية العظيمة تورث مزيد الطمأنينة في القلب ولهذا السبب قالوا وتطمئن قلوبنا وقال بعضهم هو على ظاهره. وقال: غلط القوم وقالوا ذلك قبل استحكام الإيمان والمعرفة في قلوبهم وكانوا بشرا فقالوا هذه المقالة فرد الله عليهم عند غلطهم بقوله: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني اتقوا الله إن كنتم مؤمنين يعني اتقوا الله أن تشكوا في قدرة الله عز وجل والقول الأول أصح وقيل في معنى الآية: هل يقبل ربك دعاءك ويعطيك بإجابة