للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب يعترفون بوجودهم ولم يختلفوا في نبوتهم، والأسباط هم أولاد يعقوب الاثنا عشر وكانوا أنبياء ثم جمع جميع الأنبياء فقال وَالنَّبِيُّونَ أي وما أوتي النبيون مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وذلك أن أهل الكتاب يؤمنون ببعض النبيين ويكفرون ببعض فأمر الله عز وجل نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم أن يخبر عن نفسه وعن أمته أنه يؤمن بجميع الأنبياء. فإن قلت: لم عدي أنزل في «هذه الآية بحرف الاستعلاء وفيما تقدم من مثلها في البقرة بحرف الانتهاء». قلت لوجود المعنيين جميعا لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل فجاء تارة بأحد المعنيين وتارة بالمعنى الآخر وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكا في عبادتنا. قوله عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ يعني أن الدين المقبول عند الله هو دين الإسلام وأن كل دين سواه غير مقبول عنده لأن الدين الصحيح ما يأمر الله به ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ يعني الذين وقعوا في الخسارة وهو حرمان الثواب وحصول العقاب وروى ابن جرير الطبري عن عكرمة: في قوله: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه قالت اليهود فنحن مسلمون فقال الله عز وجل لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم قل لهم ولله على الناس حج البيت فلم يحجوا. قوله عز وجل: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ نزلت في اثني عشر رجلا ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارا منهم الحارث بن سويد الأنصاري وطعمة بن أبيرق وحجوج بن الأسلت. وقال ابن عباس: نزلت في اليهود والنصارى وذلك أن اليهود كانوا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم يستفتحون به على الكفار ويقرون به ويقولون: قد أظل زمان نبي مبعوث فلما بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم كفروا به بغيا وحسدا ومعنى كيف يهدي الله كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان قوما كفروا أي جحدوا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد إيمانهم أي تصديقهم إياه وإقرارهم به وبما جاء به من عند ربه وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ يعني وبعد أن أقروا وشهدوا أن محمدا رسول الله إلى خلقه وأنه حق وصدق وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ يعني الحجج والبراهين والمعجزات الدالة على صحة نبوته التي بمثلها ثبتت النبوة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفقهم إلى الحق والصواب لما سبق في علمه تعالى أنهم ظالمون وقيل لا يهديهم في الآخرة إلى الجنة والثواب. فإن قلت: كيف قال في أول الآية كيف يهدي الله قوما كفروا وقال في آخرها والله لا يهدي القوم الظالمين وهذا تكرار؟ قلت: ليس فيه تكرار لأن قوله كيف يهدي الله قوما كفروا إنما هو مختص بأولئك المرتدين عن الإسلام ثم إنه تعالى عمم ذلك الحكم في آخر الآية فقال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني جميع الكفار المرتدين عن الإسلام والكافر الأصلي وإنما سمي الكافر ظالما لأنه وضع العبادة في غير موضعها.

[سورة آل عمران (٣): الآيات ٨٧ الى ٩٠]

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ يعني الذين كفروا بعد إيمانهم أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها أي في عذاب اللعنة وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يؤخرون عن وقت العذاب لا يؤخر عنهم من وقت إلى وقت ثم استثنى سبحانه وتعالى فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ يعني من بعد ارتدادهم وكفرهم وذلك أل الحارث بن سويد الأنصاري لما لحق بالكفار ندم على ذلك فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل لي من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى إلّا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا الله فبعث بها إليه أخوه الجلاس مع رجل من قومه، فأقبل إلى المدينة تائبا وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توبته وحسن إسلامه وَأَصْلَحُوا أي وضموا إلى التوبة الأعمال الصالحة فبيّن أن التوبة وحدها لا تكفي حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>