للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(خ) عن عبد الله بن الزبير قال: ما نزلت خذ العفو وأمر بالعرف إلا في أخلاق الناس وفي رواية قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس وكذا في جامع الأصول وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي قال أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أقوال الناس أو كما قال: وقال ابن عباس يعني خذ ما عفا لك من أموالهم فما أتوك به من شيء فخذه وكان هذا قبل أن تتنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه وقال السدي خذ العفو أي الفضل من المال نسختها آية الزكاة، وقال الضحاك: خذ ما عفا من أموالهم وهذا قبل أن تفرض الصدقة المفروضة وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني وأمر بكل ما أمرك الله به وهو ما عرفته بالوحي من الله عز وجل وكل ما يعرفه الشارع وقال عطاء وأمر بقول لا إله إلا الله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصفح عن الجاهلين وهذا قبل أن يؤمر بقتال الكفار فلما أمر بقتالهم صار الأمر بالإعراض عنهم منسوخا بآية القتال، قال بعضهم: أول هذه الآية وآخرها منسوخ، ووسطها محكم يريد ينسخ أولها أخذ الفضل من الأموال فنسخ بفرض الزكاة والأمر بالمعروف محكم والإعراض عن الجاهلين منسوخ بآية القتال روي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما هذا؟ قال لا أدري حتى أسأل. ثم رجع فقال إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ذكره البغوي بغير سند. وقال جعفر الصادق: أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه.

عن عائشة قالت «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح» أخرجه الترمذي وروى البغوي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال» قوله عز وجل:

[سورة الأعراف (٧): الآيات ٢٠٠ الى ٢٠١]

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ قال ابن زيد «لما نزل قوله سبحانه وتعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بالغضب يا رب فأنزل الله عز وجل: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم. ونزغ الشيطان عبارة عن وساوسه ونخسه في القلب. وقيل النزغ الانزعاج وأكثر ما يكون عند الغضب وأصله الإزعاج بالحركة إلى الشر والإفساد. يقال: نزغت بين القوم إذا أفسدت بينهم. وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة والمعنى وإما يصيبنك يا محمد ويعرض لك من الشيطان وسوسة أو نخسة فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ يعني فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك إِنَّهُ سَمِيعٌ يعني لدعائك عَلِيمٌ بحالك وقيل إن الشيطان يجد مجالا في حمل الإنسان على ما لا ينبغي في حالة الغضب والغيظ فأمر الله بالالتجاء إليه والتعوذ به في تلك الحالة فهي تجري مجرى العلاج لذلك المرض.

((فصل واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية)) فقالوا لو كان النبي معصوما لم يكن للشيطان عليه سبيل حتى ينزغ في قلبه ويحتاج إلى الاستعاذة والجواب عنه من وجوه، الأول: أن معنى الكلام إن حصل في قلبك نزغ من الشيطان فاستعذ بالله وإنه لم يحصل له ذلك البتة فهو كقوله لئن أشركت وهو بريء من الشرك البتة. والوجه الثاني: على تقدير أنه لو حصل وسوسة من الشيطان لكن الله عز وجل عصم نبيه صلى الله عليه وسلم عن قبولها وثبوتها في قلبه (م) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» قال الشيخ محيي الدين النووي يروى فأسلم بفتح الميم وضمها فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>