تأكل النوى وألقت وغيره، وتخرج اللبن، ومن منافع الإبل أنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف حتى أن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء، ومنها أنها فضلت على سائر الحيوانات بأشياء، وذلك أن جميع الحيوانات إنما تقتنى إما للزينة أو للركوب، أو للحمل، أو للبن، أو لأجل اللحم، ولا توجد جميع هذه الخصال إلا في الإبل، فإنها زينة، وتركب فيقطع عليها المفازات البعيدة، وتحمل الثقيل، وتحلب الكثير، ويأكل من لحمها الجم الغفير، وتصبر على العطش عدة أيام، ومنها أن يحمل عليها، وهي باركة ثم تنهض بحملها بخلاف سائر الحيوانات، ومنها أنها ترعى في كل نبات في البراري مما لا يرعاه غيرها من الحيوانات، وهي سفن البر يحمل عليها الثقيل، ويقطع عليها المفاوز البعيدة. وكان شريح يقول: اخرجوا بنا إلى الكناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت.
فإن قلت كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والأرض والجبال، ولا مناسبة بينهما ولم بدأ بذكر الإبل قبل السماء والأرض والجبال؟
قلت لما كان المراد ذكر الدلائل الدالة على توحيده وقدرته، وأنه هو الخالق لهذه الأشياء جميعها، وكانت الإبل من أعظم شيء عند العرب فينظرون إليها ليلا ونهارا، ويصاحبونها ظعنا وأسفارا ذكرهم عظيم نعمته عليهم فيها ولهذا بدأ بها ولأنها من أعجب الحيوانات عندهم.
وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ يعني فوق الأرض بغير عمد، ولا ينالها شيء. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ أي على الأرض نصبا ثابتا راسخا لا يزول. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أي بسطت، ومهدت بحيث يستقر على ظهرها كل شيء. قال ابن عباس: المعنى هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل، أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال، أو يسطح مثل الأرض غير الله القادر على كل شيء. ولما ذكر الله تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبروا ولم يتفكروا فيها خاطب نبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال تعالى فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ أي فعظ إنما أنت واعظ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ أي بمسلط فتكرههم على الإيمان، وهذه الآية منسوخة نسختها آية القتال. إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ استثناء منقطع عما قبله معناه لكن من تولى وكفر بعد التذكير فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ وهو أن يدخله النار، وإنما قال: الأكبر لأنهم عذبوا في الدنيا بأنواع من العذاب مثل الجوع، والقحط والقتل، والأسر، فكانت النار أكبر من هذا كله. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ أي رجوعهم بعد الموت. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ يعني جزاءهم بعد الرجوع إلينا، والله أعلم.