للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجبات ثم قال تعالى: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ أي من طاعة وعمل صالح، وقيل أراد بالخير المال يعني صدقة التطوع، لأن الزكاة تقدم ذكرها تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ يعني ثوابه وأجره حتى التمرة واللقمة مثل أحد إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي لا يخفى عليه شيء من قليل الأعمال، وكثيرها ففيه ترغيب في الطاعات، وأعمال البر وزجر عن المعاصي. قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢): الآيات ١١١ الى ١١٣]

وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)

وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً يعني يهوديا، وقيل هو جمع هائد أَوْ نَصارى وذلك أن اليهود قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا ولا دين إلا دين اليهودية، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ولا دين إلا دين النصرانية قيل: نزلت في وفد نجران وكانوا نصارى اجتمعوا مع اليهود في مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكذب بعضهم بعضا في دعواه قال الله: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ أي شهواتهم الباطلة التي تمنوها على الله بغير حق قُلْ يعني يا محمد هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي حجتكم على دعواكم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان يهوديا أو نصرانيا دون غيرهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني فيما تدعون. ثم قال تعالى ردا عليهم: بَلى أي ليس الأمر كما تزعمون ولكن مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فإنه الذي يدخل الجنة وينعم فيها ومعنى أسلم وجهه لله أخلص في دينه لله، وقيل: أخلص عبادته لله. وقيل خضع وتواضع لله، لأن أصل الإسلام الاستسلام وهو الخضوع، وإنما خص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء، وإذا جاد الإنسان بوضع وجهه على الأرض في السجود فقد جاد بجميع أعضائه، قال عمرو بن نفيل:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرا ثقالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبا زلالا

يعني بذلك استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته الأرض والمزن، وهو محسن أي في عمله لله فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أي ثواب عمله وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي في الآخرة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أي على ما فاتهم من الدنيا.

قوله عز وجل: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ نزلت في يهود المدينة ونصارى نجران، وذلك أن وفد نجران لما قدموا على النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاهم أحبار اليهود وتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم فقالت اليهود للنصارى: ما أنتم على شيء من الذين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت النصارى لليهود ما أنتم على شيء من الذين وكفروا بموسى والتوراة فأنزل الله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ يعني وكلا الفريقين يقرءون الكتاب، وليس في كتابهم هذا الاختلاف فدلت تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم لما فيه على كفرهم وكونهم على الباطل.

وقيل: إن الإنجيل الذي تدين بصحته النصارى يحقق ما في التوراة من نبوة موسى وما فرض الله فيها على بني إسرائيل من الفرائض، وإن التوراة التي تدين بصحتها اليهود تحقق نبوة عيسى وما جاء به من عند ربه من الأحكام ثم كلا الفريقين، قالوا: ما أخبر الله عنهم بقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ مع علم كل واحد من الفريقين ببطلان ما قاله: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يعني مشركي العرب قالوا في نبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إنهم ليسوا على شيء مِثْلَ قَوْلِهِمْ يعني مثل قول اليهود

<<  <  ج: ص:  >  >>