سارق فجاءت أمه تبكي وتقول هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه يا أمير المؤمنين فقال كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول مرة.
قوله عز وجل: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
يعني يستترون حياء من الناس يريد بذلك بني ظفر بن الحارث وهم قوم طعمة بن أبيرق وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
يعني ولا يستترون من الله ولا يستحيون منه وأصل الاستخفاء الاستتار وإنما فسر الاستخفاء بالاستحياء على المعنى لأن الاستحياء من الناس يوجب الاستتار منهم وَهُوَ مَعَهُمْ
يعني والله معهم بالعلم والقدرة ولا يخفى عليه شيء من حالهم لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية. وكفى بذلك زجرا للإنسان عن ارتكاب الذنوب إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
يعني يضمرون ويقدرون ويزورون في أذهانهم. وأصل التبييت تدبير الفعل بالليل وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم: نرفع الأمر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنه يسمع قول طعمة ويقبل يمينه لأنه مسلم ولا يسمع قول اليهودي لأنه كافر فلم يرض الله تعالى بذلك منهم فأطلع نبيه صلّى الله عليه وسلّم على سرهم وما هموا به وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
يعني أنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أسرار عباده وهو مطلع عليهم محيط بهم لا تخفى عليه خافية ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ
ها للتنبيه يعني يا هؤلاء الذين هو خطاب لقوم من المؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وعن قومه جادَلْتُمْ عَنْهُمْ
يعني خاصمتم عنهم بسبب أنهم كانوا يرونهم في الظاهر مسلمين وأصل الجدال شدة الفتل لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يفتل صاحبه عما هو عليه والمعنى هبوا إنكم خاصمتم وجادلتم عن طعمة وقومه في الحياة الدنيا وقيل هو خطاب لقوم طعمة وفي قراءة ابن مسعود: جادلتم عنه والمعنى هبوا أنكم خاصمتم عن طعمة في الحياة الدنيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
يعني إذا أخذه بعذابه فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
يعني محافظا ومحاميا عنهم من بأس الله إذا نزل بهم. قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
نزلت هذه الآية في ترغيب طعمة في التوبة وعرضها عليه. وقيل نزلت في قومه الذين جادلوا عنه وقيل هي عامة في كل مسيء ومذنب لأن خصوص السبب لا يمنع من إطلاق الحكم ومعنى الآية ومن يعمل سوءا يسيء به غيره كما فعل طعمة بالسرقة من قتادة وإنما خص ما يتعدى إلى الغير باسم السوء لأن ذلك يكون في الأكثر إيصالا للضرر إلى الغير أو يظلم نفسه يعني فيما يختص به من الحلف الكاذب ونحو ذلك. وقيل معناه ومن يعمل سوءا أي قبيحا أو يظلم نفسه يرميه البريء وقيل السوء كل ما يأثم به الإنسان والظلم هو الشرك فما دونه ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ
يعني من ذنوبه يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
ففي هذه الآية دليل على حكمين: أحدهما أن التوبة مقبولة عن جميع الذنوب الكبائر والصغائر لأن قوله ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه عم الكل. والحكم الثاني أن ظاهر الآية يقتضي أن مجرد الاستغفار كاف. وقال بعضهم إنه مقيد بالتوبة لأنه لا ينفع الاستغفار مع الإصرار على الذنوب.
[سورة النساء (٤): الآيات ١١١ الى ١١٣]
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
يعني ومن يعمل ذنبا يأثم به فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
يعني إنما يعود وبال كسبه عليه والكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة فكأنه تعالى يقول يا أيها الإنسان إن الذنب الذي ارتكبته إنما عادت مضرته عليك فإني منزه عن الضر والنفع فأكثر من الاستغفار ولا تيأس من قبول التوبة فإني لغفار لمن تاب وهذه الآية نزلت في طعمة أيضا وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً
يعني بسارق الدرع حَكِيماً
يعني إذا حكم عليه بالقطع