المسألة الثانية: الخلع جائز على أكثر مما أعطاها وبه قال أكثر العلماء، وقال بعضهم: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها وهو قول علي، وبه قال الزهري والشعبي والحسن وعطاء وطاوس وقال سعيد بن المسيب: بل يأخذ دون ما أعطاها حتى يكون الفضل فيه وحجة الجمهور أن الخلع عقد على معاوضة، فوجب أن لا يقيد بمقدار معين كما أن للمرأة أن لا ترضى عند عقد النكاح إلا بالكثير فكذلك للزوج أن لا يرضى عند الخلع إلا بالبذل الكثير، لا سيما وقد أظهرت الاستخفاف بالزوج حيث أظهرت بغضه وكراهته.
المسألة الثالثة: اختلف العلماء في الخلع هل هو فسخ أو طلاق؟ فقال الشافعي في القديم: إنه فسخ وهو قول ابن عباس وطاوس وعكرمة. وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وقال الشافعي في الجديد: إنه طلاق وهو الأظهر وهو قول عثمان وعلي وابن مسعود والحسن والشعبي والنخعي وعطاء وابن المسيب ومجاهد ومكحول والزهري. وبه قال أبو حنيفة ومالك وسفيان الثوري. وحجة القول القديم أن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين ثم ذكر بعده الخلع ثم ذكر الطلقة الثالثة فقال:
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ولو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا وحجة القول الجديد أنه لو كان فسخا لما صح بالزيادة على المهر المسمى كالإقالة في البيع وأيضا لو كان الخلع فسخا فإذا خالعها ولم يذكر مهرا وجب أن يجب المهر عليها كالإقالة، فإن الثمن يجب رده وإن لم يذكره فثبت أن الخلع ليس بفسخ وإذا بطل ذلك ثبت أنه طلاق وأيضا فإن الطلقة الثالثة قوله: أو تسريح بإحسان. وفائدة الخلاف أنا إذا جعلناه طلاقا ينقص به عدد الطلاق فإن تزوجها بعده كانت معه على طلقتين وإن جعلناه فسخا بانت منه بثلاث.
قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني هذه أوامر الله ونواهيه وهو ما تقدم من أحكام الطلاق والرجعة والخلع وحدود الله ما منع من مجاوزتها وهو قوله: فَلا تَعْتَدُوها أي فلا تجاوزها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ أي يجاوزها فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قوله عز وجل: فَإِنْ طَلَّقَها يعني الطلقة الثالثة فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ أي لا تحل له رجعتها بعد الثلاث حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ يعني حتى تتزوج زوجا آخر غير المطلق فيجامعها، والنكاح يتناول العقد والوطء جميعا والمراد هنا الوطء، نزلت في تميمة وقيل: عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي وكانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي فطلقها ثلاثا (ق) عن عائشة قالت: «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» قولها: فبت طلاقي أي قطعه والبت القطع وقولها: مثل هدبة الثوب أي طرفة وهو كناية عن استرخاء الذكر قوله: حتى يذوق عسيلتك بضم العين تصغير العسل شبة لذة الجماع بالعسل وهو كناية عنه وإنما أنث العسل لأن من العرب من يؤنثه، وقيل: أنثه حملا له على المعنى، لأن المراد منه النطفة، وعبد الرحمن المذكور هو عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء مشددة، وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن زوجي قد مسني فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: كذبت بقولك الأول فلن أصدقك في الآخر، فلبثت حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتت أبا بكر فقالت يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرجع إلى زوجي الأول فإن زوجي الآخر قد مسني وطلقني، فقال لها أبو بكر: قد شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أتيته وقال له ما قالت لك ما قال فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر أتت عمر وقالت له ما قالت لأبي بكر فقال لها: لئن رجعت إليه لأرجمنك. قوله