قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ يعني ما في قلوبكم من موالاة الكفار ومودتهم وإنما ذكر الصدر لأنه وعاء القلب أَوْ تُبْدُوهُ يعني تبدوا مودة الكفار قولا وفعلا وقيل معناه إن تخفوا ما في قلوبكم من تكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو تبدوه أي تظهروه بالحرب والمقاتلة له يَعْلَمْهُ اللَّهُ أي يحفظه عليكم ويجازيكم به، وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني أنه تعالى إذا كان لا يخفى عليه شيء في السموات ولا في الأرض فكيف يخفى عليه حالكم وموالاتكم الكفار وميلكم إليهم بقلوبكم وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً يعني تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا يوم القيامة لم ينقص ولم يبخس منه شيء، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ أي تجد ما عملت من الخير محضرا فتسر به وما عملت من سوء تَوَدُّ أي تتمنى لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أي وبين ما عملت من السوء أَمَداً بَعِيداً أي مكانا بعيدا قيل: كما بين المشرق والمغرب والأمد الأجل والغاية، وقيل معناه تود أنها لم تعمله ويكون بينها وبينه أمد بعيد وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ إنما كرره لتأكيد الوعيد وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ قيل: معناه أنه رؤوف بهم حيث حذرهم نفسه وعرفهم كمال قدرته وعلمه، وأنه يمهل ولا يهمل. وقيل: معناه أنه رؤوف بالعباد حيث أمهلهم للتوبة ولتدارك العمل الصالح. وقيل: إنه تعالى لما قال: ويحذركم الله نفسه وهو وعيد أتبعه بقوله والله رؤوف بالعباد، وهو وعد ليعلم العبد المؤمن أن رحمته ووعده غلبت وعيده وسخطه. قوله عز وجل:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه فنزلت هذه الآية، فعرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم فلم يقبلوها. وقال ابن عباس: وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال: يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل فقالت قريش: إنما نعبدها حبا لله لتقربنا إلى الله زلفى فنزلت هذه الآية. وقيل: إن نصارى نجران قالوا: إنما نقول هذا القول في عيسى حبا لله وتعظيما له فأنزل الله قُلْ يا محمد إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فيما تزعمون فاتبعوني يحببكم الله لأنه قد ثبتت نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالدلائل الظاهرة والمعجزات الباهرة فوجب على كافة الخلق متابعته. والمعنى قل: إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله فكونوا منقادين لأوامره مطيعين له فاتبعوني، فإن اتباعي من محبة الله تعالى وطاعته. وقال العلماء: إن محبة العبد لله عبارة عن إعظامه وإجلاله وإيثار طاعته واتباع أمره ومجانبة نهيه، ومحبة الله للعبد ثناؤه عليه ورضاه عنه وثوابه له وعفوه عنه فذلك قوله تعالى: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ يعني أن من غفر له فقد أزال عنه العذاب وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني أنه تعالى يغفر ذنوب من أحبه ويرحمه بفضله وكرمه، ولما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين لأصحابه: إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله عز وجل: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ يعني أن طاعة الله متعلقة بطاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإن طاعته لا تتم مع عصيان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه: كل أمر أو نهي ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جرى ذلك في الفريضة واللزوم مجرى ما أمر الله به في كتابه أو نهى عنه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فإن طاعتكم لمحمد صلّى الله عليه وسلّم طاعتكم لي، فأمّا أن تطيعوني وتعصوا محمدا فلن أقبل منكم. فَإِنْ تَوَلَّوْا أي أعرضوا عن طاعة الله ورسوله فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم. (خ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلّا من أبى قالوا: ومن