(مكية وهي تسع عشرة آية واثنتان وتسعون كلمة ومائتان وثمانون حرفا) قال أكثر المفسرين هذه السّورة أول سورة نزلت من القرآن وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ (ق) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة» ولمسلم «الصّادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الوحي» وفي رواية حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ حتى بلغ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة بنت خويلد فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الرّوع ثم قال لخديجة أي خديجة ما لي وأخبرها الخبر قال لقد خشيت على نفسي قالت له خديجة كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرّحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة: أيّ ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو مخرجيّ هم؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي» زاد البخاري قال: حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه، فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
(فصل) في هذا الحديث دليل صحيح صريح على أن سورة اقرأ أول ما نزل من القرآن وفيه رد على من قال إن المدثر أول ما نزل من القرآن، وقد تقدم الكلام على ذلك والجمع بين القولين في أول سورة المدثر وهذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن عائشة لم تدرك هذه القصة فيحتمل أنها سمعتها من النبي صلّى الله عليه وسلّم أو من غيره من الصحابة ومرسل الصحابي حجة عند جميع العلماء إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني، وإنما ابتدئ