العلماء حرمه. وكره أنس إخصاء الغنم وجوز بعض العلماء لأن فيه غرضا ظاهرا (ق) عن سعد بن أبي وقاص قال لولا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رد على عثمان بن مظعون التبتل لاختصينا. التبتل: هو ترك النكاح والانقطاع للعبادة عن نافع قال كان ابن عمر يكره الاختصاء ويقول إن فيه نماء الخلق أخرجه مالك في الموطأ ومعناه في ترك الاختصاء نماء الخلق يعني زيادتهم. وقال ابن زيد هو التخنث وهو أن يتشبه الرجل بالنساء في حركاتهن وكلامهن ولباسهن ونحو ذلك. وقيل تغيير خلق الله هو أن الله تعالى خلق البهائم والأنعام للركوب والأكل فحرموها على أنفسهم وخلق الشمس والقمر والنجوم والنار والأحجار لمنفعة الناس فعبدوها من دون الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني يتخذه ربا يطيعه فيما يأمره به وقيل الولي من الموالاة وهو الناصر فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لأن طاعة الشيطان توصله إلى نار جهنم وهي غاية الخسران، بقي في الآية سؤالان: الأول قال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا والنصيب المفروض هو الشيء المقدر القليل وقال في موضع آخر لأحتنكن ذريته إلّا قليلا وقال: لأغوينهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين. وهذا استثناء القليل من
الكثير فكيف وجه الجمع فالجواب أن الكفار الذين هم حزب الشيطان وإن كانوا أكثر من المسلمين في العدد لكنهم أقل من المؤمنين في الفضل والشرف وعلو الدرجة عند الله والمؤمنون وإن كانوا أقل من الكفار لكنهم أكثر منهم لأن الفضل والشرف والسؤدد والغلبة في الدنيا وعلو الدرجة في الآخرة وأنشد بعضهم في هذا المعنى قال:
وهم الأقل إذا تعد عشيرة ... والأكثرون إذا يعد السؤدد
وقيل إن إبليس لما لم ينل من آدم ما أراد ورأى الجنة والنار وعلم أن لهذه أهلا ولهذه أهلا قال: لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا يعني الذين هم أهل النار. السؤال الثاني: من أين لإبليس العلم بالعواقب حتى يقول ولأضلنهم ولأغوينهم ولأمنينهم ولآمرنهم، وقال في الأعراف وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقال في بني إسرائيل لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن إبليس ظن أن تقع منهم هذه الأمور التي يريدها منهم فحصل له ما ظنه ويدل على ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ. الوجه الثاني: قال ابن الأنباري المعنى لأجتهدن ولأحرصن في ذلك أنه كان يعلم الغيب. الوجه الثالث: قال الماوردي من الجائز أن يكون قد علم ذلك من الملائكة بخبر من الله تعالى أن أكثر الخلائق لا يؤمنون وقوله تعالى:
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ يعني الشيطان يعد حزبه وأولياءه ويمينهم فوعده وتمنيته إياهم ما يوقع في قلب الإنسان من طول العمر ونيل ما أراد من الدنيا ومن نعيمها ولذاتها وكل ذلك غرور فيجب على العاقل أن لا يلتفت إلى شيء منها فربما لم يطل عمره ولم يحصل له ما أراد منها ولئن طال عمره وحصل مقصوده فالموت وراءه ينغص عليه ما هو فيه وقيل يعدهم ويمنيهم بأن لا جنة ولا نار ولا بعث فاجتهدوا في تحصيل اللذات الدنيوية وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً يعني باطلا وضلالا أُولئِكَ يعني الذين اتخذوا الشيطان وليا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ يعني مرجعهم ومستقرهم جهنم وَلا يَجِدُونَ عَنْها يعني عن جهنم مَحِيصاً يعني مفرا ومعدلا يعني لا يعدلون عنها إلى غيرها ولا بد لهم من ورودها والخلد فيها ولما ذكر وعيد الكفار أتبعه بوعد المؤمنين فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني من تحت المساكن والغرف خالِدِينَ فِيها