العرب فهو لنا، وإنما هم ظلمونا وغصبوها منا فلا سبيل علينا في أخذها منهم بأي طريق كان وقيل إن اليهود كانوا يبايعون رجالا من المسلمين في الجاهلية. فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حق ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فأكذبهم الله تعالى فقال وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يعين اليهود وَهُمْ يَعْلَمُونَ يعني أنهم كاذبون ثم إنه تعالى رد على اليهود قولهم فقال:
بَلى أي ليس الأمر كما قالوا بل عليهم سبيل ولفظة بلى لمجرد نفي ما قبلها فعلى هذا يحسن الوقوف عليها ثم يبتدئ من أوفى أي ولكن مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ أي بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن الذي أنزل عليه وبأداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها وقيل الهاء في قوله بعهده راجعة إلى الموفى وَاتَّقى يعني الكفر والخيانة ونقض العهد فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يعني الذين يتقون الشرك. (ق) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر، وفي رواية إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا قال عكرمة نزلت هذه الآية في أحبار اليهود ورؤسائهم أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب الذين كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم فبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرشا والمآكل التي كانوا يأخذونها من أتباعهم وسفلتهم وقيل نزلت في ادعاء اليهود الذين قالوا: إنه ليس علينا في الأميين سبيل وكتبوا ذلك بأيديهم وحلفوا أنه من عند الله وقيل نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له. (ق) عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصداقه من كتاب الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية وفي رواية: «قال من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية. فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا فقال صدق فيّ نزلت كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
شاهداك أو يمينه قلت إنه إذا يحلف لا يبالي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان». ونزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية. وأخرجه الترمذي وأبو داود وقالا: إن الحكومة كانت بين الأشعث وبين رجل يهودي. وقيل نزلت هذه الآية في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه. (خ) عن عبد الله بن أبي أوفى: «أن رجل أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية. وقيل الأقرب حمل الآية على الكل فقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ يدخل فيه جميع ما أمر الله به ويدخل فيه العهود والمواثيق المأخوذة من جهة الرسل ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه من عهد وميثاق فكل ذلك من عهد الله الذي يجب الوفاء به. ومعنى إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله يعني الأمانة وأيمانهم يعني الكاذبة ثمنا قليلا يعني شيئا يسيرا من حطام الدنيا، وذلك لأن