قوله عز وجل: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ معناه لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة والمعنى سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار إلى مغفرة أي إلى ما يوجب المغفرة وهي التوبة من الذنوب وقيل سابقوا إلى ما كلفتم به من الأعمال فتدخل فيه التوبة وغيرها، وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ قيل إن السموات السبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح وألزق بعضها ببعض لكان عرض الجنة في قدرها جميعا وقال ابن عباس إن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة وقيل إن الله تعالى شبه عرض الجنة بعرض السموات والأرضين ولا شك أن الطول يكون أزيد من العرض فذكر العرض تنبيها على أن طولها أضعاف ذلك وقيل إن هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ويقع في نفوسهم وأفكارهم وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السموات والأرض فشبه عرض الجنة بعرض السموات والأرض على ما يعرفه الناس، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فيه أعظم رجاء وأقوى أمل لأنه ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسله ولم يذكر مع الإيمان شيئا آخر يدل عليه قوله في سياق الآية ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ فبين أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله تعالى لا بعمله، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل رحمته» وقد تقدم الكلام على معنى هذا الحديث والجمع بينه وبين قوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون في تفسير سورة النحل.
قوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ يعني عدم المطر وقلة النبات ونقص الثمار، وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ يعني الأمراض وفقد الأولاد إِلَّا فِي كِتابٍ يعني في اللوح المحفوظ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها أي من قبل أن نخلق الأرض والأنفس وقال ابن عباس من قبل أن نبرأ المصيبة إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي إثبات ذلك على كثرته هين على الله عز وجل: لِكَيْلا تَأْسَوْا أي تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ من الدنيا وَلا تَفْرَحُوا أي لا تبطروا بِما آتاكُمْ أي أعطاكم قال عكرمة ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا قال صاحب الكشاف: إن قلت ما من أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح قلت المراد الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر والتسليم لأمر الله ورجاء ثواب الصابرين والفرح المطغي الملهي عن الشكر فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر فلا بأس بهما والله أعلم وقال جعفر بن محمد الصادق يا ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده إليك الفوت وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ أي متكبر بما أوتي من الدنيا فَخُورٍ أي بذلك الذي أوتي على الناس الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ قيل هذه الآية متعلقة بما قبلها والمعنى والله لا يحب الذين يبخلون يريد إذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم