للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتجب لهما النار» ثم قرأ أبو هريرة: «من بعد وصية يوصي بها أو دين» إلى قوله: «ذلك الفوز العظيم» أخرجه أبو داود والترمذي. قوله: فيضار إن المضارة إيصال الضرر إلى شخص ومعنى المضارة في الوصية أن لا تمضى أو ينقص بعضها أو يوصي لغير أهلها أو يحيف في الوصية ونحو ذلك. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ أي فرض عَلَيْكُمُ الصِّيامُ. والصوم في اللغة: الإمساك يقال صام النهار إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة ومنه قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أي صمتا لأنه إمساك عن الكلام، والصوم في الشرع: عبارة عن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع في وقت مخصوص وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم والمعنى أن الصوم عبادة قديمة أي في الزمن الأول ما أخلى الله أمة لم يفرضه عليهم كما فرضه عليكم وذلك لأن الصوم عبادة شاقة والشيء الشاق إذا عم سهل عمله وقيل إن صيام شهر رمضان كان واجبا على النصارى كما فرض علينا فصاموا رمضان زمانا فربما وقع في الحر الشديد والبر الشديد وكان يشق ذلك عليهم في أسفارهم ويضرهم في معايشهم فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم أن يجعلوه في فصل من السنة معتدل بين الصيف والشتاء: فجعلوه في فصل الربيع ثم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لما صنعوا فصاموا أربعين يوما، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم فمه فجعل لله عليه إن هو برأ من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعا فبرأ فزاد فيه أسبوعا، ثم مات ذلك الملك بعد زمان ووليهم ملك آخر فقال:

ما شأن هذه الثلاثة أيام أتموه خمسين يوما فأتموه وقيل أصابهم موتان فقالوا: زيدوا في صيامكم فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده. وقيل: إن النصارى فرض الله عليهم صوم رمضان فصاموا قبله يوما وبعده يوما ثم لم يزالوا يزيدونه يوما بعد يوم حتى بلغ خمسين فلذلك نهى عن صوم يوم الشك لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ يعني ما حرم عليكم في صيامكم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من كسر النفس وترك الشهوات من الأكل والجماع وغيرهما.

وقيل: معناه لعلكم تتقون ما فعله النصارى من تغيير الصوم وقيل: لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين لأن الصوم من شعارهم.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٨٤]]

أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)

أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أي مقدرات. وقيل قليلات. قيل: إنه كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجبا وصوم يوم عاشوراء ثم نسخ ذلك بفريضة صوم شهر رمضان. قال ابن عباس أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة ثم الصوم (ق) عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه وقيل إن المراد من قوله أياما معدودات أيام شهر رمضان ووجهه أن الله تعالى قال أولا:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ وهذا يحتمل صوم يوم أو يومين ثم بينه بقوله: معدودات على أنه أكثر من ذلك لكنها غير منحصرة بعدد ثم بين حصرها بقوله: شهر رمضان فإذا أمكن ذلك فلا وجه لحمل الأيام المعدودات على غير رمضان فتكون الآية غير منسوخة يقال: إن فريضة رمضان نزلت في السنة الثانية من الهجرة وذلك قبل غزوة بدر بشهر وأيام، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ أي فأفطر فعليه فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يعني غير أيام مرضه وسفره وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أي يطيقون الصوم. واختلف العلماء في حكم هذه الآية فذهب أكثرهم إلى أنها منسوخة وهو قول عمر بن الخطاب وسلمة بن الأكوع وغيرهما، وذلك أنهم كانوا في ابتداء الإسلام مخيرين بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويفدوا وإنما خيرهم الله تعالى لئلا يشق عليهم، لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>