للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأب والمستودع رحم الأم. ووجه هذا القول، أن النطفة حصلت في صلب الأب قبل رحم الأم فوجب حمل المستقر على الصلب والمستودع على الرحم. وقال ابن مسعود: المستقر في الرحم إلى أن يولد والمستودع في القبر إلى أن يبعث وقال مجاهد: المستقر على ظهر الأرض في الدنيا لقوله: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ والمستودع عند الله في الآخرة. وقال الحسن: المستقر في القبر والمستودع في الدنيا وكان يقول يا ابن آدم أنت مستودع في أهلك إلى أن تلحق بصاحبك يعني القبر وقيل المستودع في القبر والمستقر إما في الجنة والنار، لأن المقام فيهما يقتضي الخلود والتأبيد قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ قد بيّنا الدلائل الدالة على التوحيد بالبراهين الواضحة والحجج القاطعة لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ يعني لقوم يفهمون عن الله آياته ودلائله الدالة على توحيده لأن الفقه هو الفهم. قوله عز وجل:

[[سورة الأنعام (٦): آية ٩٩]]

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)

وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر وقيل إن الله ينزل المطر من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض فَأَخْرَجْنا بِهِ يعني بالماء الذي أنزلنا من السماء نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ يعني كل شيء ينبت وينمو من جميع أصناف النبات، وقيل معناه أخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء غذاء كل شيء من: الأنعام والبهائم والطير والوحش وأرزاق بني آدم وأقواتهم مما يتغذون به فينبتون عليه وينمون فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً يريد أخضر مثل عور وأعور. والأخضر هو جميع الزروع والبقول الرطبة نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً يعني: يخرج من ذلك الأخضر سنابل فيها الحب يركب بعضها فوق بعض مثل: سنبل القمح والشعير والأرز والذرة وسائر الحبوب وفي تقديم الزرع على النخل دليل على الأفضلية ولأن حاجة الناس إليه أكثر لأنه القوت المألوف وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ يعني من ثمرها. يقال: أطلعت النخلة إذا أخرجت طلعها وطلعها كفراها قبل أن ينشق عن الإغريض. والإغريض: يسمى طلعا أيضا وهو ما يكون في قلب الطلع والطلع أول ما يبدو ويخرج من ثمر النخل كالكيزان يكون فيه العذق فإذا شق عنه كيزانه سمي عذقا وهو القنو وجمعه قنوان مثل: صنو وصنون.

دانية أي قريبة التناول ينالها القائم والقاعد وقال مجاهد: متدلية. وقال الضحاك: قصار ملتصقة بالأرض وفيه اختصار وحذف تقديره ومن النخل ما قنوانها دانية قريبة ومنها ما هي بعيدة عالية فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لشدة الاهتمام بها ولأنها أسهل تناولا من البعيدة لأن البعيدة تحتاج إلى كلفة وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ يعني وأخرجنا من ذلك بساتين من أعناب وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ يعني وأخرجنا شجر الزيتون وشجر الرمان مُشْتَبِهاً قال قتادة مشتبها ورقها مختلفا ثمرها لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ يعني ومنها غير متشابه في الورق والطعم. واعلم أن الله تعالى ذكر في هذه الآية أربعة أنواع من الشجر بعد ذكر الزرع وإنما قدم الزرع على سائر الأشجار لأن الزرع غذاء وثمار أشجار فواكه والغذاء مقدم على الفواكه وإنما قدم النخلة على غيرها لأن ثمرتها تجري مجرى الغذاء، وفيها من المنافع والخواص ما ليس في غيرها من الأشجار وإنما ذكر العنب عقب النخلة لأنها من أشرف أنواع الفواكه ثم ذكر عقبه الزيتون لما فيه من البركة والمنافع الكثيرة في الأكل وسائر وجوه الاستعمال ثم ذكر عقيبه الرمان لما فيه من المنافع أيضا لأنه فاكهة ودواء ثم قال تعالى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ يعني ونضجه وإدراكه. والمعنى انظروا نظر استدلال واعتبروا كيف أخرج الله تعالى هذه التمرة الرطبة اللطيفة من هذه الشجرة الكثيفة اليابسة وهو قوله: إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني

<<  <  ج: ص:  >  >>