للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الحج (٢٢): آية ٧٨]]

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ أي جاهدوا في سبيل الله أعداء الله ومعنى حق جهاده هو استفراغ الطاقة فيه قاله ابن عباس: وعنه قال لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد كما تجاهدون في سبيل الله ولا تخافون لومة لائم وقيل معناه اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته قيل نسخها قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقال أكثر المفسرين حق الجهاد أن يكون بنية صادقة خالصة لله ولتكون كلمة الله هي العليا بدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري وقيل مجاهدة النفس والهوى هو حق الجهاد وهو الجهاد الأكبر روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما رجع من غزوة تبوك قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ذكره البغوي بغير سند قيل أراد بالأصغر جهاد الكفار وبالأكبر جهاد النفس هُوَ اجْتَباكُمْ يعني اختاركم لدينه والاشتغال بخدمته وعبادته وطاعته فأي رتبة أعلى من هذا وأي سعادة فوق هذا وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي ضيق وشدة وهو أن المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرّجا بعضها بالتوبة وبعضها برد المظالم والقصاص وبعضها بأنواع الكفارات من الأمراض والمصائب وغير ذلك فليس في دين الإسلام ما لا يجد العبد فيه سبيلا إلى الخلاص من الذنوب ومن العقاب لمن وفق.

وقيل: معناه رفع الضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس عليكم وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا. وقيل: معناه الرخص عند الضرورات كقصر الصلاة والفطر في السفر والتيمم عند عدم الماء وأكل الميتة عند الضرورة والصلاة قاعدا والفطر مع العجز بعذر المرض ونحو ذلك من الرخص التي رخص الله لعباده، قيل أعطى الله هذه الأمة خصلتين لم يعطهما أحدا غيرهم جعلهم شهداء على الناس وما جعل عليهم في الدين من حرج. وقال ابن عباس: الحرج ما كان على بني إسرائيل من الآصار التي كانت عليهم وضعها الله عن هذه الأمة مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ لأنها داخلة في ملة محمد صلّى الله عليه وسلّم. فإن قلت لم يكن إبراهيم أبا للأمة كلها فكيف سماه أبا في قوله «ملة أبيكم إبراهيم». قلت إن كان الخطاب للعرب فهو أبو العرب قاطبة وإن كان الخطاب لكل المسلمين فهو أبو المسلمين. والمعنى وجوب احترامه وحفظ حقه يجب كما يجب احترام الأب فهو كقوله «وأزواجه أمهاتهم» وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إنما أنا لكم كالوالد» وفي قوله هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ قولان أحدهما: أن الكناية ترجع إلى الله تعالى يعني أن الله سماكم المسلمين في الكتب القديمة من قبل نزول القرآن القول الثاني: أن الكناية راجعة إلى إبراهيم يعني أنّ إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه من قبل هذا الوقت وهو قوله رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ فاستجاب الله دعاءه فينا وَفِي هذا أي وفي القرآن سماكم المسلمين لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يوم القيامة أن قد بلغكم وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أي تشهدون يوم القيامة على الأمم أن رسلهم قد بلغتهم فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ يعني ثقوا به وتوكلوا عليه وقيل تمسكوا بدين الله. وقال ابن عباس: سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره وقيل معناه ادعوا ربكم أن يثبتكم على دينه. وقيل: الاعتصام هو التمسك بالكتاب والسنة هُوَ مَوْلاكُمْ يعني وليكم وناصركم وحافظكم فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ أي الناصر لكم والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>