الجهل وبالنور العلم. وقيل: الجنة والنار. وقال قتادة: خلق الله السموات قبل الأرض وخلق الظلمات قبل النور وخلق الجنة قبل النار.
روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه ضل» ذكره البغوي بغير سند ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يعني والذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يشركون وأصل العدل، مساواة الشيء بالشيء. والمعنى: أنهم يعدلون بالله غير الله ويجعلون له عديلا من خلقه فيعبدون الحجارة مع إقرارهم بأن الله خلق السموات والأرض.
وقال النضر بن شميل: الباء في قوله بربهم بمعنى عن أي عن ربهم يعدلون وينحرفون من العدول عن الشيء وقيل دخول ثم في قوله ثم الذين كفروا بربهم يعدلون دليل على معنى لطيف وهو أنه تعالى دل به على إنكاره على الكفار العدل به وعلى تعجيب المؤمنين من ذلك ومثال ذلك: أن تقول لرجل أكرمتك وأحسنت إليك وأنت تنكرني وتجحد إحساني إليك فتقول ذلك منكرا عليه ومتعجبا من فعله قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعني أنه تعالى خلق آدم من طين وإنما خاطب ذريته بذلك لأنه أصلهم وهم من نسله وذلك لما أنكر المشركون البعث وقالوا من يحيي العظام وهي رميم أعلمهم بهذه الآية أنه خلقهم من طين وهو القادر على إعادة خلقهم وبعثهم بعد الموت. قال السدي: لما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم بعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بقبضة منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني فراجع ولم يأخذ منها شيئا فقال: يا رب عاذت بك فبعث الله ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث الله ملك الموت فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره وأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذا اختلفت ألوان بني آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر فلذلك اختلفت أخلاقهم ثم قال الله لملك الموت رحم جبريل وميكائيل الأرض ولم ترحمها لا جرم اجعل أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب» أخرجه أبو داود والترمذي وأما قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ فاختلف العلماء في معنى ذلك فقال الحسن وقتادة والضحاك:
الأجل الأول، من وقت الولادة إلى وقت الموت. والأجل الثاني: من وقت الموت إلى البعث، وهو البرزخ.
ويروى نحو ذلك عن ابن عباس قال: لكل أحد أجلان: أجل إلى الموت، وأجل من الموت إلى البعث، فإن كان الرجل برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث إلى أجل العمر، وإن كان فاجرا قاطعا للرحم نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث وذلك قوله: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ وقال مجاهد وسعيد بن جبير: الأجل الأول أجل الدنيا، والأجل الثاني أجل الآخرة. وقيل: الأجل هو الوقت المقدر فأجل كل إنسان مقدر معلوم عند الله لا يزيد ولا ينقص.
والأجل الثاني: هو أجل القيامة وهو أيضا معلوم مقدر عند الله لا يعلمه إلا الله تعالى وقال ابن عباس في رواية عطاء عنه ثم قضى أجلا يعني النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع عند الانتباه وأجل مسمى عنده هو أجل الموت وقيل هما واحد ومعناه ثم قضى أجلا يعني قدّر مدة لأعماركم تنتهون إليها وهو أجل مسمى عنده يعني أن ذلك الأجل عنده لا يعلمه إلا هو والمراد بقوله عنده يعني في اللوح المحفوظ الذي لا يطلع عليه غيره ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ يعني ثم أنتم تشكون في البعث.