لا أنه أمرهم بها بِبَعْضِ ما كَسَبُوا يعني بمعصيتهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وتركهم المركز. وقيل استزلهم الشيطان بتذكير خطايا سبقت لهم فكرهوا أن يقتلوا قبل إخلاص التوبة منها وهذا اختيار الزجاج لأنه قال لم يتولوا على جهة المعاندة ولا على الفرار من الزحف رغبة في الدنيا وإنما ذكرهم الشيطان خطايا سلفت لهم فكرهوا إلقاء الله إلا على حالة يرضاها وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ يعني ولقد تجاوز الله عن الذين تولّوا يوم التقى الجمعان فلم يعاقبهم بذلك وغفر لهم وقيل إن عثمان عوتب في هزيمة يوم أحد فقال إن ذلك وإن كان خطأ لكن الله قد عفا عنه وقرأ هذه الآية إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يعني لمن تاب وأناب حَلِيمٌ لا يعجل العقوبة ولا يستأصلهم بالقتل. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ يعني في النفاق والكفر وقيل لإخوانهم في النسب وكانوا مسلمين إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ يعني إذا سافروا في الأرض لتجارة وغيرها أَوْ كانُوا غُزًّى جمع غاز أي غزاة، في الكلام حذف دل المعنى على ذلك الحذف وهو إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزى فقتلوا لَوْ كانُوا عِنْدَنا يعني مقيمين ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ يعني قولهم وظنهم حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ يعني غما وتأسفا وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ هذا رد لقول المنافقين لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا والمعنى أن الأمر بيد الله وأن المحيي والمميت هو الله تعالى فقد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد عن الغزو كما يشاء فكيف ينفع الجلوس في البيت وهل يحمي أحد من الموت وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يعني أنه تعالى مطلع على ما تعملون من خير أو شر فيجازيكم به فاتقوه ولا تكونوا مثل المنافقين لأن مقصدهم تنفير المؤمنين عن الجهاد بقولهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فإن الله تعالى هو المحيي المميت، فمن قدر له البقاء لم يقتل في الجهاد ومن قدر له الموت لم يبق وإن أقام ببيته عند أهله فلا تقولوا أنتم أيها المؤمنون لمن يريد الخروج إلى الجهاد لا تخرج فتقتل فلان يموت في الجهاد فيستوجب الثواب فإن ذلك خير له من أن يموت في بيته بلا فائدة. وإليه الإشارة بقوله تعالى:
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ يعني في العاقبة خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يعني من الغنائم والمعنى ولئن تم عليكم ما تخافونه من القتل في سبيل الله أو الهلاك بالموت فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت والقتل في سبيل الله خير مما تجمعون من الدنيا ومنافعها لو لم تموتوا وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ يعني لإلى الله الرحيم الواسع الرحمة والمغفرة المثيب العظيم الثواب تحشرون في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم. وقد قسم بعض مقامات العبودية ثلاثة أقسام فمن عبد الله خوفا من ناره أمنه الله مما يخاف وإليه الإشارة بقوله تعالى لمغفرة من الله ومن عبد الله تعالى شوقا إلى جنته أناله ما يرجو. وإليه الإشارة بقوله تعالى لمغفرة من الله ومن عبد الله تعالى شوقا إلى جنته أناله ما يرجو وإليه الإشارة بقوله تعالى ورحمة لأن الرحمة من أسماء الجنة ومن عبد الله شوقا إلى وجهه الكريم لا يريد غيره فهذا هو العبد المخلص الذي يتجلّى له الحق سبحانه وتعالى في دار كرامته. وإليه الإشارة بقوله لإلى الله تحشرون. قوله عز وجل: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ أي فبرحمة من الله وما صلة لنت لهم أي سهلت لهم أخلاقك وكثرة احتمالك ولم تسرع إليهم بتعنيف على ما كان يوم أحد منهم ومعنى فبما رحمة من الله هو توفيق الله عز وجل نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم للرفق والتلطف بهم وإن الله تعالى ألقى في قلب نبيه صلّى الله عليه وسلّم داعية الرحمة واللطف حتى فعل ذلك معهم وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
يعني جافيا غَلِيظَ الْقَلْبِ يعني قاسي القلب سيئ الخلق قليل الاحتمال لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ أي لنفروا عنك وتفرقوا