يفارق الخضر قال: أوصني قال: لا تطلب العلم لتحدث به واطلب العلم لتعمل به. واختلف العلماء في أن الخضر حي أم ميت فقيل إنه حي وهو قول الأكثرين من العلماء وهو متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة والحكايات في رؤيته والاجتماع به، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاواه: هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة. هذا آخر كلامه، وقيل إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم وكان السبب في حياة الخضر فيما حكي أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذو القرنين دخل الظلمة لطلب عين الحياة، وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فاغتسل وشرب منها وصلى شكرا لله تعالى وأخطأ ذو القرنين الطريق، فرجع وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله سبحانه وتعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد ما صلى العشاء ليلة «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ولو كان الخضر حيا لكان لا يعيش بعده».
وقوله عز وجل وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الإسكندر بن فيلفوس كذا صح الرومي، وكان ولد عجوز ليس لها ولد غيره ونقل الإمام فخر الدين في تفسيره عن أبي الريحان السروري المنجم في كتابه المسمى بالآثار الباقية عن القرون الخالية أنه من حمير واسمه أبو كرب سمي ابن عير بن أبي أفريقيس الحميري وهو الذي افتخر به أحد شعراء حمير حيث يقول:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ... ملكا علا في الأرض غير مفند
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب ملك من كريم مرشد
فرآى مآب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأطة حرمد
قوله فرأى مآب الشمس، أي ذهاب الشمس وقوله في عين ذي خلب أي حمأة، والثأطة الحمأة أيضا والجمع ثأط والحرمد الطين الأسود. وقيل سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها، وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل لأنه دخل النور والظلمة، وقيل لأنه رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس وقيل لأنه كان له ذؤابتان حسنتان، وقيل كان له قرنان تواريهما العمامة، وروي عن علي أنه أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيمن فمات فأحياه الله ثم بعثه فأمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات فأحياه الله. واختلفوا في نبوته فقيل كان نبيا ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى قلنا يا ذا القرنين وخطاب الله لا يكون إلا مع الأنبياء وقيل لم يكن نبيا. قال أبو الطفيل: سئل علي عن ذي القرنين أكان نبيا فقال: لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا أحب الله فأحبه الله وناصح الله، فناصحه الله. وروي أن عمر سمع رجلا يقول لآخر يا ذا القرنين فقال تسميتم بأسماء الأنبياء، فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة والأصح الذي عليه الأكثرون أنه كان ملكا صالحا عادلا وأنه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال والجنوب وهذا هو القدر المعمور من الأرض، وذلك أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن دان له طوائف ثم مضى إلى ملوك العرب وقهرهم، ومضى حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم رجع إلى مصر وبنى الإسكندرية، وسماها باسمه ثم دخل الشام وقصد بيت المقدس وقرب فيه