من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مصيبا، لأن الله تعالى كان يريه إياه وإن رأي أحدنا يكون ظنا ولا يكون علما قال المحققون دلت هذه الآية على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما كان يحكم إلا بالوحي الإلهي والنص المنزل عليه وَلا تَكُنْ يعني يا محمد لِلْخائِنِينَ خَصِيماً يعني ولا تكن لأجل الخائنين وهم قوم طعمة تخاصم عنهم وتجادل عن طعمة مدافعا عنه ومعينا له وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ يعني مما هممت به من معاقبة اليهودي وقيل من جدالك عن طعمة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً يعني لذنوب عباده يسترها عليهم ويغفرها لهم رَحِيماً يعني بعباده المؤمنين.
(فصل) وقد تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء وقالوا لو لم يقع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذنب لما أمر بالاستغفار والجواب عما تمسكوا به من وجوه: أحدها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل المنهي عنه في قوله ولا تكن للخائنين خصما ولم يخاصم عن طعمة لما سأله قومه أن يذب عنه أن يلحق السرقة باليهودي فتوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وانتظر ما يأتيه من الوحي السماوي والأمر الإلهي فنزلت هذه الآية وأعلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن طعمة كذاب وأن اليهودي بريء من السرقة. وإنما مال صلّى الله عليه وسلّم إلى نصرة طعمة وهمّ بذلك بسبب أنه في الظاهر من المسلمين فأمره الله بالاستغفار لهذا القدر. الوجه الثاني أن قوم طعمة لما شهدوا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببراءة طعمة من السرقة ولم يظهر في الحال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يوجب القدح في شهادتهم همّ بأن يقضي على اليهودي بالسرقة فلما أطلعه الله على كذب قوم طعمة عرف أنه لو وقع ذلك الأمر لكان خطأ في نفس الأمر فأمره الله بالاستغفار منه وإن كان معذورا. الوجه الثالث يحتمل أن الله تعالى أمره بالاستغفار لقوم طعمة لذبهم عن طعمة فإن استغفاره صلّى الله عليه وسلّم يحتمل أن يكون لذنب قد سبق قبل النبوة وأن يكون لذنوب أمته. الوجه الرابع أن درجة النبي صلّى الله عليه وسلّم أعلى الدرجات ومنصبه أشرف المناصب فلعلو درجته وشرف منصبه وكمال معرفته بالله عز وجل فما يقع منه على وجه التأويل أو السهو أو أمر من أمور الدنيا فإنه ذنب بالنسبة إلى منصبه صلّى الله عليه وسلّم كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين. وذلك بالنسبة إلى منازلهم ودرجاتهم والله أعلم. قوله تعالى:
يعني ولا تجادل يا محمد عن الذين يظلمون أنفسهم بالخيانة وهم طعمة ومن عاونه وذب عنه من قومهم وإنما سماهم خائنين لأن من أقدم على ذنب فقد خان نفسه لأنه أوقعها في العذاب وحرمها من الثواب ولهذا قيل لمن ظلم غيره إنما ظلم نفسه وقيل المراد بهذا الجمع كل من خان خيانة أي فلا تخاصم الخائن ولا تجادل عنه إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً
يعني خوانا بسرقة الدرع أثيما برميه اليهودي وهو بريء وإنما قال تعالى خوانا أثيما على المبالغة لأنه تعالى علم من طعمة الإفراط في الخيانة وركوب المآثم. ويدل على ذلك أنه لما نزل فيه القرآن لحق مكة مرتدا عن دينه ثم عدا على الحجاج بن علاط فنقب عليه بيته فسقط عليه حجر من الحائط فلما أصبحوا أخرجوه من مكة فلقي ركبا فعرض لهم. وقال ابن السبيل ومنقطع به فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق فركبوا في طلبه فأدركوه فرموه بالحجارة حتى مات، ومن كانت هذه حاله كان كثير الخيانة والإثم فلذلك وصفه الله تعالى بالمبالغة في الخيانة والإثم قال بعضهم إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات. ويروى عن عمر أنه أمر بقطع يد