أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا قاله ابن عباس: وقيل معناه ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة الله وآياته ورؤية الحق فهو في الآخرة أعمى أي أشد عمى وأضل سبيلا، أي أخطأ طريقا. وقيل: معناه ومن كان في الدنيا كافرا ضالا، فهو في الآخرة أعمى لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل توبته. قوله سبحانه وتعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قيل في سبب نزولها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يستلم الحجر الأسود، فمنعته قريش وقالوا: لا ندعك حتى تلم بآلهتنا وتمسها فحدث نفسه ما علي أن أفعل ذلك، والله يعلم إني لها كاره بعد أن يدعوني أستلم الحجر. وقيل طلبوا منه أن يذكر آلهتهم حتى يسلموا، ويتبعوه فحدث نفسه فأنزل الله هذه الآية. وقال ابن عباس: قد وفد ثقيف على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال. قال: وما هن؟ قالوا: لا نحبي في الصلاة أي لا ننحني ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وأن تمتعنا باللات سنة من غير أن نعبدها فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود، وأما أن لا تكسروا أصنامكم بأيديكم، فذاك لكم وأما الطاغية يعني اللات والعزى فإني غير ممتعكم بها قالوا: يا رسول الله إنا نحب أن تسمع العرب أنك أعطيتنا ما لم تعط غيرها فإن خشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فسكت النبي صلّى الله عليه وسلّم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك فأنزل الله تعالى وإن كادوا- أي هموا- ليفتنونك- أي ليصرفونك- عن الذي أوحينا إليك لِتَفْتَرِيَ أي لتختلق وتبتعث عَلَيْنا غَيْرَهُ ما لم تقله وَإِذاً أي لو فعلت ما دعوك إليه لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي والوك ووافوك وصافوك وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ أي على الحق بعصمتنا إياك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ أي تميل إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أي قربت من الفعل. فإن قلت كان النبي صلّى الله عليه وسلّم معصوما فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه.
قلت: كان ذلك خاطر قلب ولم يكن عزما وقد عفا الله تعالى عن حديث النفس وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول بعد ذلك «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» والجواب الصحيح هو أن الله سبحانه وتعالى قال ولولا أن ثبتناك وقد ثبته الله فلم يركن إليهم إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي لو فعلت لأذقناك عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني ضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً أي ناصرا يمنعك من عذابنا. قوله سبحانه وتعالى وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها قيل: هذه الآية مدنية وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة كره اليهود مقامه بالمدينة، وذلك حسدا فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض أنبياء، وإن أرض الأنبياء الشام، وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم السلام، فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافة الروم، وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلّى الله عليه وسلّم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه، فيخرج فأنزل الله هذه الآية فالأرض هنا أرض المدينة، وقيل الأرض أرض مكة والآية مكية والمعنى: همّ المشركون أن يخرجوه منها فكفهم الله عنه حتى أمره بالخروج للهجرة فخرج بنفسه وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية. وقيل: همّ المشركون كلهم وأرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه فمنع الله رسوله ولم ينالوا منه ما أملوه والاستفزاز الإزعاج وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانا قليلا حتى يهلكوا. قوله سبحانه وتعالى: