وصدق ولكن الكذب في قولهم إن الله أمرنا به ورضي ما نحن عليه كما أخبر عنهم في سورة الأعراف وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها فرد الله تعالى عليهم بقوله قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ والدليل أن التكذيب في قولهم إن الله أمرنا بهذا ورضيه منا لا في قولهم لو شاء الله ما أشركنا قوله كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بالتشديد ولو كان خبرا من الله عن كذبهم في قولهم لو شاء الله ما أشركنا لقال كذلك كذب الذين من قبلهم بالتخفيف فكان ينسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب وقال الحسن بن الفضل: لو قالوا هذه المقالة تعظيما لله وإجلالا له ومعرفة بحقه وبما يقولون لما عابهم بذلك، ولكنهم قالوا هذه المقالة تكذيبا وجدلا من غير معرفة بالله وبما يقولون. وقيل في معنى الآية: إنهم كانوا يقولون الحق بهذه الكلمة وهو قوله: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا إلا أنهم كانوا يعدونه عذرا لأنفسهم ويجعلونه حجة لهم في ترك الإيمان والرد عليهم في ذلك أن أمر الله بمعزل عن مشيئته وإرادته فإن الله تعالى مريد لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما يريد، فعلى العبد أن يتبع أمره وليس له أن يتعلق بمشيئته فإن مشيئته لا تكون عذرا لأحد عليه في فعله فهو تعالى يشاء الكفر من الكافر ولا يرضى به ولا يأمر به ومع هذا فيبعث الرسل إلى العبد ويأمر بالإيمان، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع.
فالحاصل أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يتمسكون بمشيئة الله تعالى في شركهم وكفرهم، فأخبر الله تعالى أن هذا التمسك فاسد باطل فإنه لا يلزم من ثبوت المشيئة لله تعالى في كل الأمور دفع دعوة الأنبياء عليهم السلام والله أعلم.
وقوله تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لو شاء الله ما أشركنا ولكنه رضي ما نحن عليه من الشرك هل عندكم يعني بدعواكم ما تدعون من علم يعني من حجة وكتاب يوجب اليقين من العلم فَتُخْرِجُوهُ لَنا يعني فتظهروا ذلك العلم لنا وتبينوه كما بينّا لكم خطأ قولكم وفعلكم وتناقض ذلك واستحالته في العقول إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني فيما أنتم عليه من الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله عليكم وتحسبون أنكم على حق وإنما هو باطل وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ يعني وما أنتم في ذلك كله إلا تكذبون وتقولون على الله الباطل.
وقوله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ يعني: قل يا محمد لهؤلاء المشركين حين عجزوا عن إظهار علم الله أو حجة لهم فلله الحجة البالغة يعني التامة على خلقه بإنزال الكتاب وإرسال الرسل. قال الربيع بن أنس: لا حجة لأحد عصى الله أو أشرك به على الله ولكن لله الحجة البالغة على عباده فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ يعني فلو شاء الله لوفقكم أجمعين للهداية ولكنه لم يشأ ذلك وفيه دليل على أنه تعالى لم يشأ إيمان الكافر ولو شاء لهداه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ يعني هاتوا وادعوا شهداءكم. وهلم كلمة دعوة إلى الشيء يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والذكر والأنثى وفيها لغة أخرى يقال للواحد هلم وللاثنين هلما