بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمونه يعني وقت البعث والقيامة، وفيه فائدة وهو التحريض على العمل الصالح لأن التبديل والإنشاء هو الموت والبعث وإذا كان ذلك واقعا في الأزمان ولا يعلمه أحد فينبغي أن لا يتكل الإنسان على طول المدة ولا يغفل عن إعداد العدة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى أي الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئا وفيه تقرير للنشأة الثانية يوم القيامة فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ أي بأني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم أول مرة.
قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ لما ذكر الله تعالى ابتداء الخلق وما فيه من دلائل الوحدانية ذكر بعده الرزق لأن به البقاء وذكر أمورا ثلاثة المأكول والمشروب وما به إصلاح المأكول والمشروب ورتبه ترتيبا حسنا فذكر المأكول أولا لأنه هو الغذاء وأتبعه المشروب لأن به الاستمراء ثم النار التي بها الإصلاح وذكر من أنواع المأكول الحب لأنه هو الأصل ومن المشروب الماء لأنه أيضا هو الأصل وذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية، فقوله أفرأيتم ما تحرثون أي ما تثيرون من الأرض وتلقون فيه البذر أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي تنبتونه وتنشئونه حتى يشتد ويقوم على سوقه أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ معناه أأنتم فعلتم ذلك أم الله ولا شك في أن إيجاد أحب في السنبل ليس بفعل أحد غير الله تعالى وإن كان إلقاء البذر من فعل الناس، لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ يعني ما تحرثونه وتلقون فيه من البذر، حُطاماً أي تبنا لا قمح فيه وقيل هشيما لا ينتفع به في مطعم ولا غيره وقيل هو جواب لمعاند يقول نحن نحرثه وهو بنفسه يصير زرعا لا بفعلنا ولا بفعل غيرنا فرد الله عليّ هذا المعاند بقوله لو نشاء لجعلناه حطاما فهل تقدرون أنتم على حفظه أو هو يدفع عن نفسه بنفسه تلك الآفات التي تصيبه ولا يشك أحد في أن دفع الآفات ليس إلا بإذن الله وحفظه، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم وقيل تندمون على نفقاتكم وقيل تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة وقيل تتلاومون وقيل تحزنون وقيل هو تلهف على ما فات.
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ أي وتقولون فحذف القول ومعنى الغرم ذهاب المال بغير عوض وقيل معناه لموقع بنا وقال ابن عباس رضي الله عنهما لمعذبون يعني أنهم عذبوا بذهاب أموالهم بغير فائدة والمعنى إنا غرمنا الحب الذي بذرناه فذهب بغير عوض، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي ممنوعون والمعنى حرمنا الذي كنا نطلبه من الريع في الزرع، أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ذكرهم الله تعالى نعمه عليهم بإنزال المطر الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً قال ابن عباس شديد الملوحة وقيل مرا لا يمكن شربه فَلَوْلا أي فلا تَشْكُرُونَ يعني نعمة الله عليكم أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ يعني تقدحون من الزند أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها يعني التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار وهما شجرتان تقدح منهما النار وهما رطبتان وقيل أراد جميع الشجر الذي توقد منه النار أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها يعني نار الدنيا تَذْكِرَةً أي للنار الكبرى إذا رأى الرائي هذه النار ذكر بها نار جهنم فيخشى الله ويخاف عقابه وقيل موعظة يتعظ بها المؤمن. (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها» وَمَتاعاً أي بلغة ومنفعة لِلْمُقْوِينَ يعني للمسافرين والمقوي النازل في الأرض القواء وهي القفر