بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» فنص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جريان الربا في هذه الستة أشياء وهي النقدان وأربعة أصناف من المطعومات وهي البر والشعير والتمر والملح، فذهب عامة أهل العلم إلى أن حكم الربا ثبت في هذه الأشياء لأوصاف فيها، فيعتدي إلى كل ما يوجد من تلك الأصناف فيه ثم اختلفوا في تلك الأوصاف فذهب قوم إلى أن المعنى في جميعها هو واحد وهو النفع فأثبتوا الربا في جميع الأموال وذهب الأكثرون إلى أن الربا يثبت في الدراهم والدنانير بوصف وفي الأشياء المطعومة بوصف آخر، واختلفوا في ذلك الوصف فذهب الشافعي ومالك إلى أنه ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية وذهب أصحاب الرأي إلى أنه ثبت بعلة الوزن فأثبتوا الربا في جميع الموزونات مثل الحديد والنحاس والقطن ونحو ذلك، وأما الأربعة أشياء المطعومة فذهب أصحاب الرأي إلى أن الربا ثبت فيها بعلة الوزن والكيل فأثبتوا الربا في جميع المكيلات والموزونات مطعوما كان أو غير مطعوم كالجص والنورة ونحوهما، وذهب جماعة إلى أن العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن فكل مطعوم مكيل أو موزون يثبت فيه الربا ولا يثبت فيما سوى ذلك مما ليس بمكيل أو موزون وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي في القديم. وقال في الجديد: ثبت الربا فيها بوصف الطعم فأثبت الربا في جميع الأشياء المطعومة من الثمار والفواكه والبقول والأدوية مكيلة كانت أو موزونة لما روي عن معمر بن عبد الله أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض من صاع فلما جاء معمرا أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الطعام بالطعام مثلا بمثل» وكان طعامنا الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله فقال إني أخاف أن يضارع أخرجه مسلم فجملة مال الربا عند الشافعي ما كان ثمنا أو مطعوما.
المسألة الثالثة: الربا نوعان ربا فضل وهو الزيادة وربا نسيئة وهو الأجل، فإن باع ما يدخل فيه الربا بجنسه إن باع أحد النقدين بجنسه كالذهب بالذهب أو المطعوم بجنسه كالحنطة بالحنطة ونحو ذلك فيشترط فيه التماثل والمساواة بمعيار الشرع فإن كان موزونا كالدراهم والدنانير فيشترط فيه المساواة في الوزن وإن كان مكيلا كالحنطة والشعير يشترط في بيعه بجنسه المساواة في الكيل، ويشترط التقابض في مجلس العقد فإن باع ما يدخل فيه الربا بغير جنسه ينظر فإن باع بما لا يوافقه في وصف الربا مثل إن باع مطعوما بأحد النقدين فلا ربا فيه كما لو باعه بغير مال الربا فإن باعه بما لا يوافقه في الوصف لا في الجنس مثل أن باع الدراهم بالدنانير أو باع الحنطة بالشعير أو كان مطعوما بمطعوم آخر من غير جنسه فلا يثبت فيه ربا التفاضل فيجوز بيعه متفاضلا ويثبت فيه ربا النسيئة فيشترط في بيعه التقابض في المجلس لقوله صلّى الله عليه وسلّم «إلّا يدا بيد». وقوله «هاء وهاء» ففيه اشتراط التقابض في المجلس وتحريم النسيئة وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إلّا سواء بسواء مثلا بمثل» ففيه إيجاب المماثلة وتحريم التفاضل عند اتفاق الجنس وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» ففيه إطلاق التبايع مع التفاضل عند اختلاف الجنس مع اشتراط التقابل في المجلس وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كان يدا بيد» والله أعلم.
المسألة الرابعة: في القرض وهو من أقرض شيئا وشرط أن يرد عليه أفضل منه فهو قرض جر منفعة وكل قرض جر منفعة فهو ربا يدل عليه ما روي عن مالك قال: بلغني أن رجلا أتى ابن عمر فقال إني أسلفت رجلا سلفا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته، فقال عبد الله بن عمر: فذلك الربا أخرجه مالك في الموطأ. قال فإن لم يشترط فضلا في وقت القرض فرد المستقرض أفضل مما أخذ جاز. ويدل على ذلك ما روي عن مجاهد أن ابن عمر استلف دراهم فقضى صاحبها خيرا منها فأبى أن يأخذها وقال هذه خير من دراهمي. فقال ابن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة أخرجه مالك في الموطأ. وقوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي تذكير وتخويف وإنما ذكر الفعل لأن تأنيثه غير حقيقي فجاز تذكيره وذلك لأن الوعظ والموعظة شيء واحد فَانْتَهى