إليه فرحمهم ثم تاب عليهم وإنما حسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه وقوله ثم تاب عليهم تأكيد لقبول توبتهم لأنه قد ذكر توبتهم في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا كما تقدم بيانه وأنه عطف على قوله لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ أي وتاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار أي وتاب الله على الثلاثة الذين خلفوا.
وقوله تعالى: لِيَتُوبُوا معناه: أن الله سبحانه وتعالى تاب عليهم في الماضي ليكون ذلك داعيا لهم إلى التوبة في المستقبل فيرجعوا ويداوموا عليها وقيل إن أصل التوبة الرجوع ومعناه ثم تاب عليهم ليرجعوا إلى حالتهم الأولى يعني إلى عادتهم في الاختلاط بالناس ومكالمتهم فتسكن نفوسهم بذلك إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ يعني على عباده الرَّحِيمُ بهم وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والكرم والفضل والإحسان وأنه لا يجب على الله تعالى شيء.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ يعني في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ يعني مع من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الغزوات ولا تكونوا مع المتخلفين من المنافقين الذين قعدوا في البيوت وتركوا الغزو. وقال سعيد بن جبير: مع الصادقين يعني مع أبي بكر وعمر. قال ابن جريج: مع المهاجرين.
وقال ابن عباس: مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية. وقيل: كونوا مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب وهم يعتذرون بالأعذار الباطلة الكاذبة وهذه الآية تدل على فضيلة الصدق لأن الصدق يهدي إلى الجنة والكذب إلى الفجور كما ورد في الحديث. وقال ابن مسعود: الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صاحبه شيئا ثم لا ينجزه اقرءوا إن شئتم وكونوا مع الصادقين.
وروي أن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية على الأنصار في يوم السقيفة وذلك أن الأنصار قالوا: منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه للفقراء المهاجرين إلى قوله أولئك هم الصادقون من هم قالت الأنصار: أنتم هم فقال أبو بكر: إن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فأمركم أن تكونوا معنا ولم يأمرنا أن نكون معكم نحن الأمراء وأنتم الوزراء وقيل مع بمعنى من والمعنى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين قوله سبحانه وتعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يعني لساكني المدينة من المهاجرين والأنصار: وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ يعني سكان البوادي من مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار وقيل: هو عام في كل الأعراب لأن اللفظ عام وحمله على العموم أولى أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ يعني إذا غزا وهذا ظاهر خبر ومعناه النهي أي ليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلا يَرْغَبُوا يعني ولا أن يرغبوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ يعني ليس لهم أن يكرهوا لأنفسهم ما يختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرضاه لنفسه ولا يختاروا لأنفسهم الخفض والدعة ويتركوا مصاحبته والجهاد معه في حال الشدة والمشقة وقال الحسن: لا يرغبوا بأنفسهم أن يصيبهم من الشدائد فيختاروا الخفض والدعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومقاساة التعب ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ في سفرهم وغزواتهم ظَمَأٌ أي عطش وَلا نَصَبٌ أي تعب وَلا مَخْمَصَةٌ يعني مجاعة شديدة فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ يعني ولا يضعون قدما على الأرض يكون ذلك القدم سببا لغيظ الكفار وغمهم وحزنهم وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا يعني أسرا أو قتلا أو هزيمة أو غنيمة أو نحو ذلك قليلا كان أو كثيرا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ يعني إلا كتب الله لهم بذلك ثواب عمل صالح قد ارتضاه لهم وقبله منهم إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يعني أن الله سبحانه وتعالى لا يدع محسنا من خلقه قد أحسن في عمله وأطاعه فيما أمره به أو نهاه عنه أن يجازيه على إحسانه وعمله الصالح وفي الآية دليل