يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الآية نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وجماعة من الأنصار أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال فأنزل الله هذه الآية:
وأصل الخمر في اللغة الستر والتغطية وسميت الخمر خمرا لأنها تخامر العقل أي تخالطه. وقيل: لأنها تستره وتغطيه وجملة القول في تحريم الخمر أن الله عز وجل أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً فكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام، وهي لهم حلال ثم نزل بالمدينة في جواب سؤال عمر ومعاذ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فتركها قوم لقوله، إثم كبير وشربها قوم لقوله ومنافع للناس ثم إن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما، ودعا إليه ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطعمهم وسقاهم الخمر وحضرت صلاة المغرب فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف حرف لا إلى آخر السورة فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ فحرم الله السكر في أوقات الصلوات فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء، فيصبح وقد زال سكره فيصلي الصبح، ويشربها بعد صلاة الصبح، فيصحو وقت الظهر ثم إن عتبان بن مالك اتخذ صنيعا يعني وليمة ودعا رجالا من المسلمين، وفيهم سعد بن أبي وقاص، وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم فافتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحة فانطلق سعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشكا إليه الأنصاري فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، ويروى أن حمزة بن عبد المطلب، شرب الخمر يوما وخرج فلقي رجلا من الأنصار وبيده ناضح له والأنصاري يتمثل ببيتين لكعب بن مالك يمدح قومه وهما:
جمعنا مع الإيواء نصرا وهجرة ... فلم ير حيّ مثلنا في المعاشر
فأحياؤنا من خير أحياء من مضى ... وأمواتنا من خير أهل المقابر
فقال حمزة: أولئك المهاجرون وقال الأنصاري، بل نحن الأنصار فتنازعا فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصاري فهرب الأنصاري وترك ناضحه فقطعه حمزة فجاء الأنصاري مستعديا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بفعل حمزة فغرم له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ناضحا فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى الآية التي في المائدة إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقال عمر: انتهينا يا رب، وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر وكان انتفاعهم بذلك كثيرا فعلم أنه لو منعهم من الخمر دفعة واحدة لشق ذلك عليهم فلا جرم استعمل هذا التدريج وهذا الرفق. قال أنس:
حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر (ق) عن أنس قال:
ما كان لنا خمر غير فضيخكم وإني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب وفلانا وفلانا إذ جاء رجل، فقال: حرمت الخمر فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر هذا الرجل. الفضيخ بالضاد والخاء المعجمتين شراب يتخذ من بسر مطبوخ والمفضوخ المشدوخ والمكسور والإهراق الصب والقلال جمع قلة وهي الجرة الكبيرة.
(فصل: في تحريم الخمر ووعيد من شربها) أجمعت الأمة على تحريم الخمر، وأنه يحد شاربها ويفسق بذلك مع اعتقاد تحريمها فإن استحل كفر بذلك ويجب قتله (ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا، ومات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة» لفظ مسلم (م) عن جابر: «أن رجلا قدم من