متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وقال الضحاك: لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به، وقال مجاهد يريد التأذين وفيه يقول حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي مع اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وقيل رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النّبيين، وإلزامهم الإيمان به، والإقرار بفضله، وقيل رفع ذكره بأن قرن اسمه باسمه في قوله «محمد رسول الله» وفرض طاعته على الأمة بقوله: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» ومن يطع الله ورسوله فقد فاز، ونحو ذلك مما جاء في القرآن وغيره من كتب الأنبياء ثم وعده باليسر، والرخاء بعد الشّدة والعناء، وذلك أنه كان في شدة بمكة فقال تعالى فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسرا ورخاء بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وإنما كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرّجاء قال الحسن: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين» وقال ابن مسعود: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخله عليه ويخرجه إنه لن يغلب عسر يسرين قال المفسرون في معنى قوله لن يغلب عسر يسرين إن الله تعالى كرر لفظ العسر، وذكره بلفظ المعرفة، وكرر اليسر بلفظ النكرة، ومن عادة العرب. إذا ذكرت اسما معرفا ثم أعادته كان الثاني هو الأول وإذا ذكرت اسما نكرة ثم أعادته كان الثاني غير الأول كقولك كسبت درهما فأنفقت درهما. فالثاني غير الأول وإذا قلت كسبت درهما، فأنفقت الدرهم فالثاني هو الأول، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف فكان عسرا واحدا، واليسر مكرر بلفظ التنكير فكانا يسرين، فكأنه قال فإن مع العسر يسرا إن مع ذلك العسر يسرا آخر وزيف أبو على الحسن بن يحيى الجرجاني صاحب النظم هذا القول، وقال قد تكلم الناس في قوله لن يغلب عسر يسرين فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة، واليسر نكرة، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهو قول مدخول فيه إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس سيفا فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحدا والسيف اثنين فمجاز قوله لن يغلب عسر يسرين أن الله عز وجل بعث نبيه صلّى الله عليه وسلّم وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا: إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلّى الله عليه وسلّم لذلك، وظن أن قومه إنما كذبوه لفقره فعدد الله نعمه عليه في هذه السّورة، ووعده الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الغم. فقال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أي لا يحرنك الذي يقولون فإن مع العسر الذي في الدّنيا يسرا عاجلا، ثم أنجز ما وعده وفتح عليه القرى القريبة، ووسع ذات يده حتى كان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبة السّنية ثم ابتدأ فضلا آخر من أمور الآخرة فقال تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً والدّليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو، وهذا وعد لجميع المؤمنين، والمعنى أن مع العسر الذي في الدّنيا للمؤمن يسرا في الآخرة وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله لن يغلب عسر يسرين أي إن عسر الدنيا لن يغلب اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة، فدائم أبدا غير زائل، أي لا يجتمعان في الغلبة فهو كقوله صلّى الله عليه وسلّم «شهرا عيد لا ينقصان» أي لا يجتمعان في النقص قال القشيري: كنت يوما في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت شعر فقالت: