عليه إلا التبليغ والتبيين والله هو الهادي المضل يفعل ما يشاء وَهُوَ الْعَزِيزُ يعني الذي يغلب ولا يغلب الْحَكِيمُ في جميع أفعاله. قوله عز وجل وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا المراد بالآيات المعجزات التي جاء بها موسى عليه الصلاة والسلام، مثل العصا واليد وفلق البحر وغير ذلك من المعجزات العظيمة الباهرة أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ
أي أن أخرج قومك بالدعوة من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة: يعني بنعم الله. وقال مقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة.
يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم بما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والنقمة، فأخبر بذكر الأيام عن ذلك لأن ذلك كان معلوما عندهم وعلى هذا يكون المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد. والترغيب والوعد أن يذكرهم بما أنعم الله عليهم به من النعمة، وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل فيما مضى من الأيام، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأس الله، وشدة انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله، وقيل: بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والشدة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب فخلصهم الله من ذلك، وجعلهم ملوكا بعد أن كانوا مملوكين إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ الصبّار: الكثير الصبر، والشكور: الكثير الشكر، وإنما خص الشكور والصبور بالاعتبار بالآيات وإن كان فيها عبرة للكافة لأنهم هم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله «وهدى للمتقين» ولأن الانتفاع بالآيات لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابرا شاكرا أما من لم يكن كذلك فلا ينتفع بها البتة وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لما أمر الله عز وجل موسى عليه الصلاة والسلام أن يذكر قومه بأيام الله امتثل ذلك الأمر، وذكرهم بأيام الله فقال «اذكروا نعمة الله عليكم» إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت الذي أنجاكم فيه من آل فرعون يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ. فإن قلت قال في سورة البقرة: يذبحون بغير واو وقال هنا ويذبحون بزيادة واو فما الفرق؟ قلت: إنما حذفت الواو في سورة البقرة لأن قوله يذبحون تفسير لقوله يسومونكم سوء العذاب، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو كما تقول جاءني القوم زيد وعمرو إذا أردت تفسير القوم وأما دخول الواو هنا في هذه السورة فلأن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح أيضا فقوله: ويذبحون نوع آخر من العذاب لأنه تفسير العذاب وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعني يتركونهن أحياء وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. فان قلت كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم؟ قلت: تمكينهم وإمهالهم حتى فعلوا ما فعلوا بلاء من الله ووجه آخر وهو أذن لكم إشارة إلى الإنجاء، وهو بلاء عظيم لأن البلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعا ومنه قوله:«ونبلوكم بالشر والخير فتنة» وهذا الوجه أولى لأنه موافق لأول الآية وهو قوله اذكروا نعمة الله عليكم. فإن قلت: هب أن تذبيح الأبناء فيه بلاء فكيف يكون استحياء النساء فيه بلاء. قلت: كانوا يستحيونهن ويتركونهن تحت أيديهم كالإماء فكان ذلك بلاء وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ هذا من جملة ما قال موسى لقومه كأنه قيل اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم، ومعنى تأذن: آذن، أي أعلم ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وأذن ربكم إيذانا بليغا تنتفي عنده الشكوك وتنزاح الشبه والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ يعني يا بني إسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها من النعم بالإيمان الخالص والعمل الصالح لَأَزِيدَنَّكُمْ يعني نعمة إلى نعمة، ولأضاعفن لكم ما أتيتكم قيل شكر الموجود صيد المفقود. وقيل: لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب وأصل الشكر تصور النعمة، وإظهارها وحقيقته الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه، وتوطين النفس على هذه الطريقة وهاهنا دقيقة وهي أن العبد إذا اشتغل بمطالعة أقسام نعم الله عز وجل عليه، وأنواع فضله وكرمه وإحسانه إليه اشتغل بشكر تلك النعمة، وذلك يوجب المزيد وبذلك تتأكد محبة العبد لله عز وجل وهو مقام شريف ومقام أعلى منه وهو أن يشغله حب المنعم عن الالتفات إلى النعم، وهذا مقام الصدّيقين نسأل الله القيام بواجب شكر