يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «هي النخلة» قال: فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة فقال ما منعك أن تتكلم؟ فقلت لم أركم تتكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا فقال عمر لأن تكون قلته أحب إلي من كذا وكذا وفي رواية:«إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ابن عمر ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت أن أتكلم ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال «هي النخلة» وفي رواية عن ابن عباس، أنها شجرة في الجنة وفي رواية أخرى عنه أنها المؤمن. وقوله أَصْلُها ثابِتٌ يعني في الأرض وَفَرْعُها يعني أعلاها فِي السَّماءِ يعني ذاهبة في السماء تُؤْتِي أُكُلَها يعني ثمرها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها يعني بأمر ربها والحين في اللغة الوقت يطلق على القليل والكثير واختلفوا في مقداره هذا وقال مجاهد وعكرمة: الحين هنا سنة كاملة لأن النخلة تثمر في كل سنة مرة واحدة. وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن: ستة أشهر يعني من وقت طلعها إلى حين صرامها، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا. وقال علي بن أبي طالب: ثمانية أشهر يعني أن مدة حملها باطنا وظاهرا ثمانية أشهر. وقيل: أربعة أشهر من حين ظهور حملها إلى إدراكها. وقال سعيد بن المسيب: شهران يعني من وقت أن يؤكل منها إلى صرامها. وقال الربيع بن أنس: كل حين يعني غدوة وعشية، لأن ثمر النخل يؤكل أبدا ليلا ونهارا وصيفا وشتاء، فيؤكل منها الجمار والطلع والبلح والبسر والمنصف والرطب، وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى حين الطري الرطب فأكلها دائم في كل وقت. قال العلماء: ووجه الحكمة في تمثيل هذه الكلمة التي هي كلمة الإخلاص وأصل الإيمان بالنخلة حاصل من أوجه: أحدها: أن كلمة الإخلاص شديدة الثبوت في قلب المؤمن كثبوت أصل النخلة في الأرض. الوجه الثاني: أن هذه الكلمة ترفع عمل المؤمن إلى السماء. كما قال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وكذلك فرع النخلة الذي هو عال في السماء. الوجه الثالث: أن ثمر النخلة يأتي في كل حين ووقت وكذلك ما يكسبه المؤمن من الأعمال الصالحة في كل وقت وحين ببركة هذه الكلمة، فالمؤمن كلما قال: لا إله إلا الله صعدت إلى السماء وجاءته بركتها وثوابها وخيرها ومنفعتها. الوجه الرابع: أن النخلة شبيهة بالإنسان في غالب الأمر لأنها خلقت من
فضلة طينة آدم وأنها إذا قطع رأسها تموت كالآدمي بخلاف سائر الشجر فإنه إذا قطع نبت، وأنها لا تحمل حتى تلقح بطلع الذكر. الوجه الخامس: في وجه الحكمة في تمثيل الإيمان بالشجر على الإطلاق لأن الشجرة لا تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرق راسخ، وأصل ثابت، وفرع قائم، وكذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء:
تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان، وقوله سبحانه وتعالى: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يعني أن في ضرب الأمثال زيادة في الأفهام وتصويرا للمعاني وتذكيرا ومواعظ لمن تذكر واتعظ. قوله تعالى وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ وهو الشرك كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ يعني الحنظل قاله أنس بن مالك ومجاهد: وفي رواية عن ابن عباس إنها الكشوت وعنه أيضا أنها الثوم وعنه أيضا أنها الكافر لأنه لا يقبل عمله فليس له أصل ثابت ولا يصعد إلى السماء اجْتُثَّتْ يعني استؤصلت وقطعت مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ يعني ما لهذه الشجرة من ثبات في الأرض، لأنها ليس لها أصل ثابت في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء كذلك الكافر لا خير فيه ولا يصعد له. قول طيب ولا عمل صالح ولا لاعتقاده أصل ثابت، فهذا وجه تمثيل الكافر بهذه الشجرة الخبيثة.
عن أنس قال أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقناع عليه رطب فقال:«مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال: هي النخلة ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار قال هي الحنظلة» أخرجه الترمذي. مرفوعا وموقوفا، وقال الموقوف أصح. قوله سبحانه وتعالى:
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ والقول الثابت: هي الكلمة الطيبة وهي شهادة أن لا إله إلا الله، في قول جمهور المفسرين. ولما وصف الكلمة الخبيثة في الآية المتقدمة بكلمة الشرك قال: في هذه الآية ويضل الله