للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ يعني يا بني إسرائيل بعد انتقامه منكم فيرد الدولة إليكم وَإِنْ عُدْتُمْ أي إلى المعصية عُدْنا أي إلى العقوبة. قال قتادة فعادوا فبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم: فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي سجنا ومحبسا من الحصر الذي هو مجلس الحبس، وقيل:

فراشا من الحصير الذي يبسط ويفترش. قوله تعالى إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي إلى الطريقة التي هي أصوب وقيل: إلى الكلمة التي هي أعدل وهي شهادة أن لا إله إلا الله وَيُبَشِّرُ يعني القرآن الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً يعني الجنة وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يعني النار في الآخرة وَيَدْعُ الْإِنْسانُ أي على نفسه وولده وماله بِالشَّرِّ يعني قوله عند الغضب: اللهم أهلكه اللهم العنه ونحو ذلك دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ أي كدعائه ربه أن يهب له النعمة والعافية ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك، ولكن الله لا يستجيب بفضله وكرمه وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا أي بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه، وقال ابن عباس: ضجرا لا صبر له على سرّاء ولا ضراء. قوله تعالى وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ أي علامتين دالتين على وحدانيتنا وقدرتنا وفي معنى الآية قولان: أحدهما: أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل والنهار، وهو أنه جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدنيا والدين، أما في الدين فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر مغاير مع كونهما متعاقبين على الدوام ففيه أقوى دليل على أن لهما مدبرا يدبرهما، ويقدرهما بالمقادير المخصوصة وأما في الدنيا، فلأن مصالح العباد لا تتم إلا بهما ففي الليل يحصل السكون، والراحة وفي النهار يحصل التصرف في المعاش والكسب. والقول الثاني: أن يكون المراد وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين يريد الشمس والقمر فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسا مظلما لا يستبان فيه شيء وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً أي تبصر فيه الأشياء رؤية بينة. قال ابن عباس: جعل الله نور الشمس سبعين جزءا ونور القمر كذلك فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا، فجعلها مع نور الشمس وحكي أن الله أمر جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات، فطمس عليه الضوء وبقي فيه النور وسأل ابن الكواء عليا عن السواد الذي في القمر، فقال هو أثر المحو لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم، والتصرف في معايشكم وَلِتَعْلَمُوا أي باختلاف الليل والنهار عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ أي ما يحتاجون إليه ولولا ذلك، لما علم أحد حساب الأوقات ولتعطلت الأمور، ولو ترك الله الشمس والقمر، كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولم يدر الصائم متى يفطر، ولم يعرف وقت الحج ولا وقت حلول الديون المؤجلة. واعلم أن الحساب يبنى على أربع مراتب: الساعات والأيام والشهور والسنين، فالعدد للسنين والحساب لما دونها من الشهور والأيام والساعات، وليس بعد هذه المراتب الأربعة إلا التكرار وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا يعني وكل شيء تفتقرون إليه من أمر دينكم ودنياكم قد بينّاه بيانا شافيا واضحا غير ملتبس قيل: إنه سبحانه وتعالى لما ذكر أحوال آيتي الليل والنهار وهما من وجه دليلان قاطعان على التوحيد ومن وجه آخر نعمتان من الله تعالى على أهل الدنيا، وكل ذلك تفضل منه فلا جرم قال، وكل شيء فصلناه تفصيلا قوله عز وجل وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال ابن عباس:

عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان. وقيل: خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب به. وقيل: ما من مولود إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد، وقيل: أراد بالطائر ما قضى عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة، وقيل: هو من قولك طار له سهم إذا خرج يعني ألزمناه ما طار له من عمله لزوم القلادة أو الغل، لا ينفك عنه والعنق في قوله في عنقه كناية عن اللزوم كما يقال: جعلت هذا في عنقك أي قلدتك هذا العمل، وألزمتك الاحتفاظ به وإنما خص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق والغل مما

<<  <  ج: ص:  >  >>