للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني منتهى الصوم إلى الليل فإذا دخل الليل حصل الفطر (ق) عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» وهل يلزم الصائم أن يتناول عند تحقق غروب الشمس شيئا؟ فيه وجهان: أحدهما نعم يلزم ذلك لنهيه صلّى الله عليه وسلّم عن الوصال.

والثاني لا، لأنه قد حصل الفطر بمجرد دخول الليل سواء أكل أو لم يأكل، وتمسكت الحنفية بهذه الآية في أن الصوم النفل يجب إتمامه وقالوا: لأن قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أمر وهو للوجوب وهو يتناول كل الصيام. أجاب أصحاب الشافعي عنه بأن هذا إنما ورد في بيان أحكام صوم الفرض فكان المراد منه صوم الفرض ويدل على إباحة الفطر من النفل ما روي عن عائشة قالت: «دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال هل عندكم شيء، قلنا لا قال: فإني إذا صائم ثم أتانا يوما آخر فقلت يا رسول الله أهدي لنا حيس. قال: أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل» أخرجه مسلم. الحيس هو خلط الأقط والتمر والسمن وقد يجعل عوض الأقط دقيق أو فتيت وقيل هو التمر ينزع نواه ويخلط بالسويق والأول أعرف. قوله عز وجل: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ الاعتكاف هو الإقبال على الشيء والملازمة له على سبيل التعظيم. وهو في الشرع عبارة عن الإقامة في المسجد على عبادة الله تعالى. وسبب نزول هذه الآية أن نفرا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانوا يعتكفون في المسجد، فإذا عرض لرجل منهم حاجة إلى أهله خرج إليها وخلا بها، ثم اغتسل ورجع إلى المسجد فنهوا عن ذلك حتى يفرغوا من اعتكافهم. واعلم أن الله تعالى بين أن الجماع يحرم على الصائم بالنهار ويباح له في الليل، فكان يحتمل أن يكون حكم الاعتكاف كحكم الصوم فبين الله تعالى في هذه الآية أن الجماع يحرم على المعتكف في النهار والليل حتى يخرج من اعتكافه.

(فصل في حكم الاعتكاف) الاعتكاف سنة ولا يجوز في غير المسجد، وذلك لأن المسجد يتميز عن سائر البقاع بالفضل لأنه بني لإقامة الطاعات والعبادات فيه. ثم اختلفوا فنقل عن علي أنه لا يجوز إلّا في المسجد الحرام لقوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ فخصه به وقال عطاء: لا يجوز إلّا في المسجد الحرام ومسجد المدينة.

وقال حذيفة: يجوز في هذين المسجدين ومسجد بيت المقدس. وقال الزهري: لا يصح إلّا في الجامع وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلّا في مسجد له إمام ومؤذن وقال الشافعي ومالك وأحمد يجوز في سائر المساجد لعموم قوله:

وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ إلّا أن المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج من معتكفه لصلاة الجمعة (ق) عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه بعده (ق) عن ابن عمر: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان».

(فروع: الأول:) يجوز الاعتكاف بغير صوم والأفضل أن يصوم معه، وقال أبو حنيفة: الصوم شرط في الاعتكاف ولا يصح إلّا به، وحجة الشافعي ما روي عن عمر: «قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك» أخرجاه في الصحيحين ومعلوم أنه لا يصح الصوم في الليل.

(الفرع الثاني) لا يقدر للاعتكاف زمان عند الشافعي وأقله لحظة، ولا حد لأكثره، فلو نذر اعتكاف ساعة صح نذره، ولو نذر أن يعتكف مطلقا يخرج من نذره باعتكاف ساعة. قال الشافعي: وأحب أن يعتكف يوما، وإنما قال ذلك للخروج من الخلاف فإن أقل زمن الاعتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم بشرط أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>