وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ أي تعلن به فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى قال ابن عباس: السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك لا تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غدا والله يعلم ما أسررت به اليوم وما تسر به غدا، وعنه أن السر ما أسر به ابن آدم في نفسه وأخفى ما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقيل السر ما أسره الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسره في نفسه، وقيل السر هو العمل الذي يسر من الناس وأخفى هو الوسوسة، وقيل السر أن يعلم الله تعالى أسرار العباد وأخفى هو سره من عباده فلا يعلم أحد سره، وقيل: مقصود الآية زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والإخفاء على ما فيه ثواب أو عقاب، فالسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها والإخفاء هو الذي لم يبلغ حد العزيمة ثم وحد نفسه فقال تعالى اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى تأنيث الأحسن والذي فضلت به أسماؤه في الحسن دون سائر الأسماء، دلالتها على معنى التقديس والتحميد والتعظيم والربوبية، والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
قوله عز وجل: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أي وقد أتاك لما قدم ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قفاه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، حتى ينال عند الله الفوز والمقام المحمود إِذْ رَأى ناراً وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له، فخرج بأهله وماله وكانت أيام الشتاء فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل في شهرها لا يدري أليلا تضع أم نهارا، فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن، وذلك في ليلة مظلمة مثلجة شاتية شديدة البرد لما أراد الله من كرامته فأخذ امرأته الطلق فأخذ زنده فجعل يقدح فلا يورى فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا أي أقيموا إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرت نارا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أي شعلة من نار في طرف عود أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً أي أجد عند النار من يدلني على الطريق فَلَمَّا أَتاها أي أتى النار ورأى شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها أطافت بها نارا بيضاء تتقد كأضوء ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار، قيل كانت الشجرة ثمرة خضراء وقيل كانت من العوسج، وقيل كانت من العليق وقيل كانت شجرة من العناب، روي ذلك عن ابن عباس وقال أهل التفسير لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لأن موسى عليه الصلاة والسلام حسبه نارا.
قال ابن عباس: هو من نور الرب سبحانه وتعالى، وقيل هي النار بعينها وهي إحدى حجب الرب تبارك وتعالى، يدل عليه ما روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«حجابه النار لو كشفها لأهلكت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» أخرجه مسلم قيل إن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت عنه، وإذا نأى دنت منه، فوقف متحيرا وسمع تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة فعند ذلك نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ قال وهب: نودي من الشجرة فقيل يا موسى فأجاب سريعا وما يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله تعالى فأيقن به، وقيل إنه سمعه بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذنا وقوله