للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى أعطى إبراهيم إسحاق بدعائه حيث قال: رب هب لي من الصالحين وزاده يعقوب نافلة وهو ولد الولد وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يعني قدوة يهتدى بهم في الخير يَهْدُونَ بِأَمْرِنا يعني يدعون الناس إلى ديننا بأمرنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ يعنى العمل بالشرائع وَإِقامَ الصَّلاةِ يعني المحافظة عليها وَإِيتاءَ الزَّكاةِ يعني الواجبة وخصهما لأن الصلاة أفضل العبادات البدنية وشرعت لذكر الله والزكاة أفضل العبادات المالية ومجموعهما التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وَكانُوا لَنا عابِدِينَ يعني موحدين قوله عز وجل وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً أي الفصل بين الخصوم بالحق وقيل أراد الحكمة والنبوة وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ يعني قرية سدوم وأراد أهلها وأراد بالخبائث إتيان الذكور في أدبارهم، وكانوا يتضارطون في مجالسهم مع أشياء أخرى كانوا يعلمونها من المنكرات إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا قيل: أراد بالرحمة النبوة وقيل أراد بها الثواب إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي الأنبياء.

قوله تعالى: وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ أي من قبل إبراهيم ولوط فَاسْتَجَبْنا لَهُ أي أجبنا دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ قال ابن عباس من الغرق وتكذيب قومه له، وقيل: إنه كان أطول الأنبياء عمرا وأشدهم بلاء. والكرب أشد الغم وَنَصَرْناهُ أي منعناه مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من أن يصلوا إليه بسوء وقيل من بمعنى على إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ. قوله عز وجل وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ قال ابن عباس وأكثر المفسرين: كان الحرث كرما قد تدلت عناقيده وقيل كان زرعا وهو أشبه بالعرف إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي رعته ليلا فأفسدته وكان بلا راع وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ أي كان ذلك بعلمنا ومرأى منا لا يخفى علينا علمه. وفيه دليل لمن يقول بأن أقل الجمع اثنان لقوله وكنا لحكمهم والمراد به داود وسليمان قال ابن عباس وغيره. إن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الزرع إن غنم هذا دخلت زرعي ليلا فوقعت فيه فأفسدته فلم تبق منه شيئا فأعطاه رقاب الغنم بالزرع، فخرجا فمرا على سليمان فقال: كيف قضى بينكما فأخبراه فقال سليمان: لو وليت أمركما لقضيت بغير هذا وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر بذلك داود فدعاه وقال: كيف تقضي ويروى أنه قال له بحق النبوة والأبوة إلا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين؟ قال أدفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه فقال داود: القضاء ما قضيت وحكم بذلك، فقيل: كان لسليمان يوم حكم بذلك من العمر إحدى عشر سنة.

وحكم الإسلام في هذه المسألة أن ما أفسدته الماشية المرسلة من مال الغير بالنهار فلا ضمان على ربها وما أفسدته بالليل ضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح. ويدل على هذه المسألة ما روى حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا لرجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل وزاد في رواية: وإن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل، أخرجه أبو داود مرسلا. وذهب أصحاب الرأي أن المالك إذا لم يكن مع ماشيته فلا ضمان عليه فيما أتلفت ليلا كان أو نهارا، فذلك قوله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ أي علمناه وألهمناه حكم القضية وَكُلًّا أي داود وسليمان آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً أي بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده.

واختلف العلماء في أن حكم داود كان باجتهاده أم بنص، وكذلك حكم سليمان فقال بعضهم: حكما

<<  <  ج: ص:  >  >>