إشكال. وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج. قلت قوله هي مواقيت للناس والحج وعام وهذه الآية وهي قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ خاص والخاص مقدم على العام. وقيل: إن الآية الأولى مجملة وهذه الآية مفسرة لها. فإن قلت إنما قال الحج أشهر بلفظ الجمع وعند الشافعي أشهر الحج شهران وعشر ليال وعند أبي حنيفة وعشرة أيام فما وجه هذا؟ قلت: إن لفظ الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وقيل إنه نزل بعض الشهر منزلة كله كما يقال رأيتك سنة كذا وإنما رآه في ساعة منها ولا إشكال فيه على القول الثالث وهو قول من قال إن أشهر الحج ثلاث شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ يعني فمن ألزم نفسه وأوجب عليها فيهن الحج والمراد بهذا الفرض ما به يصير حاجا وهو فعل يفعله ثم اختلفوا في ذلك الفعل فقال الشافعي: ينعقد الإحرام بمجرد النية من غير حاجة إلى التلبية ووجهه أن فرض الحج عبارة عن النية فوجب أن تكون النية كافية في انعقاد الحج وقال أبو حنيفة: لا يصح الشروع في الإحرام بمجرد النية حتى تنضم إليه التلبية أو سوق الهدي ووجهه أن الحج عبادة لها تحليل وتحريم فلا به من انضمام شيء إلى النية كتكبيرة الإحرام مع النية في الصلاة، وفي الآية دليل على أن الإحرام بالحج لا ينعقد إلّا في أشهره وهو قول ابن عباس وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق لأن الله تعالى خصص هذه الأشهر بفرض الحج فيها فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص وجه ولا فائدة وقال مالك والثوري وأبو حنيفة: ينعقد إحرامه بالحج في جميع شهور السنة ووجهه أن الإحرام إلزام الحج فجاز تقديمه على الوقت كالنذر لأن الله تعالى جعل الأهلة كلها مواقيت للحج بقوله: هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وقد تقدم الجواب عنه. وقوله تعالى فَلا رَفَثَ قال ابن عباس الرفث الجماع وفي رواية عنه أن الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز وأن يعرض لهن بالفحش من الكلام فعلى هذا القول التلفظ به في غيبة النساء لا يكون رفثا، قال حصين بن قيس أخذ ابن عباس بذنب بعيره يلويه وهو يحدو ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا ... إن يصدق الطير ننك لميسا
فقلت: أترفث وأنت محرم؟ فقال: إن الرفث ما قيل عند النساء وقوله لميسا هو اسم امرأة وقيل الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وقوله فلا رفث يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع وأن يكون نهيا عن الحديث في ذلك لأنه من دواعيه وقيل الرفث هو الفحش والخنا والقول القبيح. وقيل الرفث اللغو من الكلام ويدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب» وَلا فُسُوقَ أصله الخروج عن الطاعة قال ابن عباس: هي المعاصي كلها وهو قول طاوس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والزهري والربيع والقرظي وقال ابن عمر: هو ما نهي عنه المحرم في حال الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر، وأخذ الشعر وما أشبه ذلك وقيل هو السباب والتنابز بالألقاب (ق) عن أبي هريرة قال سمعت رسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال ابن عباس الجدال هو المراء وهو أن يماري الرجل صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه وقيل: هو قول الرجل الحج اليوم يقول آخر الحج غما وقيل هو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج «اجعلوا أهلا لكم بالحج عمرة إلّا من قلد الهدي قالوا كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج فهذا كان جدالهم. وقيل: هو ما كان عليه أهل الجاهلية كان بعضهم يقف بعرفة وبعضهم بمزدلفة وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وبعضهم في ذي الحجة وكل يقول الصواب فيما فعلته فأنزل الله: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ فأخبر أن أمر الحج قد استقر على ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا خلاف فيه بعده وذلك معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» وقيل: معناه ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء وقيل: ظاهر الآية خبر ومعناه نهي أي لا ترفثوا