للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنافقون فَإِنْ عَصَوْكَ يعني فيما تأمرهم به فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ يعني من الكفر والمخالفة وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ التوكل عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره، ويقدر على نفعه وضره وهو الله تعالى العزيز الذي يقهر أعداءك، بعزته الرحيم الذي ينصرك عليهم برحمته الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ

إلى صلاتك وقيل يراك أينما كنت وقيل يراك حين تقوم لدعائك وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال ابن عباس: ويرى تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك وقيل مع المصلين في الجماعة يقول يراك إذا صليت وحدك ومع الجماعة، وقيل: معناه يرى تقلب بصرك في المصلين فإنه كان صلّى الله عليه وسلّم يبصر من خلفه كما يبصر من قدامه عن أبي هريرة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل ترون قبلتي ها هنا فو الله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري» وقيل: معناه يرى تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين. وقيل: تصرفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك وقال ابن عباس أراد وتقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ يعني لقولك ودعائك الْعَلِيمُ يعني بنيتك وعملك قل يا محمد هَلْ أُنَبِّئُكُمْ يعني أخبركم عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ هذا جواب لقولهم ينزل عليه شيطان ثم بين على من تنزل الشياطين فقال تعالى تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ يعني كذاب أَثِيمٍ يعني فاجر وهم الكهنة وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع، ثم يلقون ذلك إلى أوليائهم من الإنس وهو قوله تعالى يُلْقُونَ السَّمْعَ يعني ما يسمعون من الملائكة فيلقونه إلى الكهنة وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ لأنهم يخلطون به كذبا كثيرا وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال أهل التفسير أراد شعراء الكفار الذين كانوا يهجون النبي صلّى الله عليه وسلّم منهم عبد الله بن الزبعرى السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ومسافع بن عبد مناف وأبو عمرو بن عبد الله الجمحي وأمية بن أبي الصلت الثقفي تكلموا بالكذب، والباطل وقالوا نحن نقول مثل ما يقول محمد وقالوا الشعر، واجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه وكانوا يروون عنهم قولهم فذلك قوله يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين، وقيل الغاوون هم الشياطين وقيل هم السفهاء الضالون وفي رواية أن الرجلين أحدهما من الأنصار تهاجيا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع كل واحد غواة من قومه، وهم السفهاء فنزلت هذه الآية أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ من أودية الكلام يَهِيمُونَ يعني حائرين وعن طريق الحق حائدين، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له وقال ابن عباس في كل لغو يخوضون، وقيل يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل وقيل أنهم يمدحون الشيء ثم يذمونه لا يطلبون الحق والصدق، فالوادي مثل لفنون الكلام والغوص في المعاني والقوافي وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ أي أنهم يكذبون في شعرهم وقيل إنهم يمدحون الجود والكرم ويحثون عليه وهم لا يفعلونه ويذمون البخل ويصرون عليه ويهجون الناس بأدنى شيء صدر منهم (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا» ثم استثنى شعراء المسلمين الذين كانوا يجتنبون شعر الكفار، ويهجون وينافحون عن محمد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه منهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك فقال تعالى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ روي أن كعب بن مالك قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن الله أنزل في الشعر ما أنزل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل» عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:

خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل» أخرجه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: وقد روي في غير هذا الحديث أن

<<  <  ج: ص:  >  >>