ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا أي بين لكم شبها بحالكم ذلك المثل مِنْ أَنْفُسِكُمْ ثم بين المثل فقال تعالى هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي عبيدكم وإمائكم مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ أي من المال فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ يعني هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر من شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمره دون شريكه ويخاف الرجل شريكه في الميراث وهو يحب أن ينفرد به. وقال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولا ترضوه لأنفسكم فكيف ترضون أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ أي الدلالات والبراهين والأمثال لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي ينظرون في هذه الدلائل والأمثال بعقولهم بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني أشركوا بالله أَهْواءَهُمْ أي في الشرك بِغَيْرِ عِلْمٍ جهلا بما يجب عليهم فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أي عن طريق الهدى وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي مانعين يمنعونهم عن عذاب الله. قوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ يعني أخلص دينك لله وقيل سدد عملك والوجه ما يتوجه إلى الله تعالى به الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه ليسدده قوله تعالى حَنِيفاً أي مائلا إليه مستقيما عليه فِطْرَتَ اللَّهِ أي دين الله والمعنى الزموا فطرة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها قال ابن عباس خلق الناس عليها والمراد بالفطرة الدين وهو الإسلام (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم قال اقرءوا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ». زاد البخاري «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا فطرة الله الآية ولهما في رواية «قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيرا قال الله أعلم بما كانوا عاملين». قوله:«ما من مولود يولد إلا على الفطرة» يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وضعت الخلقة عليها وإن عبد غير الله قال الله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى إلى قوله: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه» فهو مع وجود الإيمان الفطري فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في حديث آخر «يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي خلقه الله عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه على اعتقاد دينهما. وقيل معناه أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرت على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره لأنه من آفات التقليد ونحوه فمن سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره. ثم تمثل لأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة المستقيمة بقوله «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء». أي كما تلد البهيمة بهيمة مستوية لم يذهب من بدنها شيء وقوله «هل تحسون فيها من جدعاء يعني هل تشعرون أو تعلمون فيها من جدعاء وهي المقطوعة الأذن والأنف. قوله عز وجل لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لا تبدلوا دين الله وقيل معنى الآية الزموا فطرة الله ولا تبدلوا التوحيد بالشرك. وقيل معنى لا تبديل لخلق الله هو جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا. وقيل الآية في تحريم إخصاء البهائم ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي