وخمسة أيام، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو بكر الأصم: عدة الأمة كعدة الحرائر وتمسك بظاهر هذه الآية، وعدة الحامل بوضع الحمل سواء فيه الحرة والأمة، ولو وضعت بعد وفاة زوجها بلحظة حل لها أن تتزوج، ويدل على هذا ما روي عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال: ما لي أراك تجملت للخطاب لعلك ترجين النكاح وإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي، أخرجاه في الصحيحين، وفيه قال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها حتى تطهر، فعلى هذا حكم الآية عام في كل من توفي عنها زوجها بأن تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم خصص من هذا العموم أولات الأحمال بهذا الحديث وبقوله تعالى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
المسألة الثانية: يجب على من توفي عنها زوجها الإحداد، وهو ترك الزينة والطيب ودهن الرأس بكل دهن والكحل المطيب، فإن اضطرت إلى كحل فيه زينة فيرخص لها، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال الشافعي:
تكتحل به بالليل وتمسحه بالنهار. عن أم سلمة قالت:«دخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت عليّ صبرا فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب، فقال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلّا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب. قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك» أخرجه أبو داود وللنسائي نحوه. قوله «فإنه يشب الوجه» أي يوقده ويحسنه وبنوره من شب النار إذا أوقدها. قوله «تغلفين به رأسك» أي تلطخين به رأسك والتغلف هو الغمرة على وجه المرأة وكذا رأسها إذا لطخته بشيء فأكثرت منه. ولا يجوز لها لبس الديباج والحرير والحلي والمصبوغ للزينة كالأحمر والأصفر ويجوز لها لبس ما صبغ لغير الزينة كالأسود والأزرق، ويجوز لها أن تلبس البياض من الثياب والصوف والوبر (ق) عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت به جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا» قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا»(م) عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوجها أربعة أشهر وعشرا»(ق) عن أم عطية قالت: «كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلّا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من حيضتها في نبذة من كست أظفار». قولها: إلّا ثوب عصب العصب بالعين والصاد المهملتين من البرود الذي صبغ غزله قبل النسج. قولها: نبذة من كست. النبذة الشيء اليسير. والكست لغة في القسط وهو شيء معروف يتبخر به. عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفرة من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل ولا تطيب» أخرجه أبو داود.
قولها: ولا الممشقة الثياب. الممشقة هي المصبوغة بالمشق وهي المغرة، عن نافع:«أن صفية بنت عبد الله اشتكت عينها وهي حادّ على زوجها ابن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمضان» أخرجه مالك في الموطأ.