تعالى. قوله عز وجل: تِلْكَ الرُّسُلُ يعني جماعة الرسل الذين تقدم ذكرهم في هذه السورة فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فيه دليل على زوال الشبهة لمن أوجب التسوية بين الأنبياء في الفضيلة لاستوائهم في القيام بالرسالة وأجمعت الأمة على أن الأنبياء بعضهم أفضل من بعض وأن نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم أفضلهم لعموم رسالته وهو قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً مِنْهُمْ أي من الرسل مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ أي كلمة الله وهو موسى عليه السلام وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم رفع الله منصبه ومرتبته على كافة سائر الأنبياء بما فضله عليهم من الآيات البينات والمعجزات الباهرات فما أوتي نبي من الأنبياء آية أو معجزة إلّا أوتي نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك وفضل محمد صلّى الله عليه وسلّم على غيره من الأنبياء بآيات ومعجزات أخر مثل انشقاق القمر بإشارته وحنين الجذع الذي حن عند مفارقته وتسليم الحجر والشجر عليه وكلام البهائم له شاهدة برسالته ونبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من الآيات والمعجزات التي لا تحصى كثرة، وأعظمها وأظهرها معجزة وآية القرآن العظيم الذي عجز أهل الأرض عن معارضته والإتيان بمثله فهو معجزة باقية إلي يوم القيامة (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من نبي من الأنبياء إلّا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»(ق) عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة»(م) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلائق كافة وختم بي النبيون» فإن قلت لم ذكره على سبيل الرمز والإشارة ولم يصرح باسمه صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: في هذا الإبهام والرمز من تفخيم فضله وإعلاء قدره صلّى الله عليه وسلّم ما لا يخفى لما فيه من الشهادة بأنه العلم الذي لا يشتبه ولا يلتبس فهو كما يقول الرجل وقد فعل شيئا فعله بعضكم أو أحدكم ويريد نفسه فيكون أفخم من التصريح به كما سئل الخطيئة: من أشعر الناس؟ قال زهير والنابغة. ثم قال ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه وقوله تعالى:
وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ يعني الحجج والأدلة الباهرة والمعجزات على نبوته مثل إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي وقويناه بجبريل عليه السلام فكان معه إلى أن رفعه إلى عنان السماء السابعة. فإن قلت لم خص موسى وعيسى بالذكر من بين سائر الأنبياء. قلت لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ولقد بين الله تعالى وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية عظيمة وتأييد عيسى بروح القدس آية عظيمة أيضا فلما أوتي موسى وعيسى من الآيات العظيمة خصا بالذكر في باب التفضيل فعلى هذا كل من كان من الأنبياء أعظم آيات وأكثر معجزات كان أفضل ولهذا أحرز نبينا صلّى الله عليه وسلّم قصبات السبق في الفضل لأنه أعظم الأنبياء آيات وأكثرهم معجزات فهو أفضلهم صلّى الله عليه وسلّم وعليهم أجمعين وَلَوْ شاءَ اللَّهُ أي ولو أراد الله وأصل المشيئة الإرادة مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني بعد الرسل الذين وصفهم الله مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي الدلالات الواضحات من الله بما فيه مزدجر لمن هداه الله تعالى ووفقه وَلكِنِ اخْتَلَفُوا يعني اختلف هؤلاء الذين من بعد الرسل فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ أي ثبت على إيمانه بالله ورسوله بفضل الله وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ أي ومنهم من تعمد الكفر بعد قيام الحجة وبعثة الرسل وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا أي ولو أراد الله أن يحجزهم عن الاقتتال والاختلاف لحجزهم عن ذلك وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ يعني أنه تعالى يوفق من يشاء لطاعته والإيمان به فضلا منه ورحمة ويخذل من يشاء عدلا منه لا اعتراض عليه في ملكه وفعله. سأل رجل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن القدر فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال طريق مظلم فلا تسلكه فأعاد السؤال فقال بحر عميق فلا تلجه فأعاد السؤال فقال: سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه. قوله عز وجل: