وقال: يا رب إني قد علمت إنك لتجمعها من بطون السباع وحواصل الطير وأجواف الدواب فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك، فأزداد يقينا فعاتبه الله تعالى: قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ يعني ألم تصدق قالَ بَلى يا رب قد علمت وآمنت وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أي ليسكن قلبي عند المعاينة أراد إبراهيم عليه السلام أن يصير له علم اليقين عين اليقين لأن الخبر ليس كالمعاينة وقيل لما رأى الجيفة على البحر وقد تناولتها السباع والطير ودواب البحر تفكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه، ولم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى ولا دافعا له ولكنه أحب أن يرى ذلك عيانا كما أن المؤمنين يحبون أن يروا نبيهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ويحبون رؤية الله تعالى في الجنة ويطلبونها، ويسألونه في دعائهم مع الإيمان بصحة ذلك وزوال الشك عنهم فكذلك أحب إبراهيم أن يصير الخبر له عيانا، وقيل: كان سبب هذا السؤال من إبراهيم أنه لما احتج على نمرود فقال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت فقال نمرود: أنا أحيي وأميت فقتل أحد الرجلين وأطلق الآخر فقال إبراهيم: إن الله تعالى يقصد إلى جسد ميت فيحييه فقال له نمرود أنت عاينته فلم يقدر إبراهيم أن يقول:
نعم فانتقل إلى حجة أخرى ثم سأل إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى؟ قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي بقوة حجتي فإذا قيل: أنت عاينته فأقول نعم وقال سعيد بن جبير لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له، فأتى إبراهيم ولم يكن في الدار فدخل داره وكان إبراهيم من أغير الناس وكان إذا خرج أغلق بابه فلما جاء، وجد في الدار رجلا فثار إليه ليأخذه وقال له. من أذن لك أن تدخل داري فقال: أذن لي رب الدار فقال: إبراهيم صدقت وعرف أنه ملك فقال له: من أنت قال: أنا ملك الموت جئتك أبشرك أن الله قد اتخذك خليلا فحمد الله عز وجل وقال له: ما علامة ذلك قال: أن يجيب الله دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك فحينئذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي بأنك اتخذتني خليلا، وتجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
(القول على معنى الحديث) وما يتعلق به اختلف العلماء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» على أقوال كثيرة فأحسنها وأصحها ما نقل المزني وغيره من العلماء أن الشك مستحيل في حق إبراهيم فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم ولقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أن إبراهيم لم يشك وإنما خص إبراهيم بالذكر لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك فنفى ذلك عنه، وقال الخطابي: ليس في قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم لكن فيه نفي الشك عنهما يقول: إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى فإبراهيم أولى بأن لا يشك وقال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس وكذلك قوله: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي وفيه الإعلام بأن المسألة من إبراهيم لم تعرض من جهة الشك لكن من قبل زيادة العلم بالبيان، والعيان يفيد من المعرفة، والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال وقيل: لما نزلت هذه الآية قال: قوم: شك إبراهيم ولم يشك نبينا صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم ومعناه أن هذا الذي تظنونه شكا أنا أولى به فإنه ليس بشك، وإنما هو طلب لمزيد اليقين وإنما رجح إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم على نفسه صلّى الله عليه وسلّم تواضعا منه وأدبا، أو قيل أن يعلم أنه صلّى الله عليه وسلّم خير ولد آدم وأما تفسير الآية فقوله تعالى: وإذ قال إبراهيم: أي واذكر يا محمد، إذ قال: إبراهيم، وقيل: إنه معطوف على قوله: «ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه» والتقدير ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى، قال يعني قال الله إبراهيم:«أولم تؤمن» الألف في أولم تؤمن من ألف إثبات وإيجاب كقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا. أي ألستم كذلك والمعنى أو لست قد