الْمِهادُ أي الفراش والمعنى: بئس ما مهد لهم في النار. قوله عز وجل: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا قيل:
الخطاب للمؤمنين يروى ذلك عن ابن مسعود والحسن. وقيل: هو خطاب لكفار مكة فيكون عطفا على الذي قبله فيخرج على قول ابن عباس (١). وقيل: هو خطاب لليهود قاله ابن جرير. فإن قلت: لم قال قد كان لكم آية ولم يقل قد كانت لأن الآية مؤنثة؟ قلت: كل ما ليس بمؤنث حقيقي يجوز تذكيره وقيل: إنه رد المعنى إلى البيان فمعناه قد كان لكم بيان فذهب إلى المعنى وترك اللفظ. وقال الفراء: إنما ذكر لأنه حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث فذكر الفعل وكل ما جاء من هذا فهذا وجهه ومعنى الآية قد كان لكم آية أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون في فئتين أي فرقتين وأصلها في الحرب لأن بعضهم يفيء إلى بعض أي يرجع الْتَقَتا يعني يوم بدر فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله وهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الأنصار، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة وكان فيهم سبعون بعيرا وفرسان وكان معهم من السلاح ستة أذرع وثمانية سيوف. وقوله تعالى: وَأُخْرى كافِرَةٌ أي وفرقة أخرى كافرة وهم مشركو مكة وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة وكان رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكان فيهم مائة فرس وكانت وقعة بدر أول مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة وقوله تعالى: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ قرئ بالتاء يعني ترون أهل مكة ضعفي المسلمين يا معشر اليهود وذلك أن جماعة من اليهود كانوا قد حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة ولمن النصر فرأوا المشركين مثلي عدد المسلمين، ورأوا النصر للمسلمين فكان ذلك معجزة. وقرئ يرونهم بالياء واختلفوا في وجه قراءة الياء فجعل بعضهم الرؤية للمسلمين ثم له تأويلان أحدهما: يرى المسلمون المشركين مثليهم كما هم. فإن قلت: كيف قال مثليهم وإنما كانوا ثلاثة أمثالهم. قلت:
هذا مثل قول الرجل وعنده درهم أنا محتاج إلى مثلي هذا الدرهم يعني إلى مثليه سواه فيكون ثلاثة دراهم ووجه آخر وهو أن يكون الله تعالى أظهر للمسلمين من عدد المشركين القدر الذي يعلم المؤمنون أنهم يغلبونهم لإزالة الخوف من قلوبهم، وهذا التأويل الثاني هو الأصح قلل الله المشركون في أعين المسلمين حتى رأوهم مثليهم.
فإن قلت كيف الجمع بين قوله تعالى يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ وبين قوله: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وكيف يقال: إن المشركين استكثروا المسلمين أو المسلمين استكثروا المشركين، وإن الفئتين تساويا في استقلال إحداهما الأخرى. قلت: إن التقليل والتكثير كانا في حالتين مختلفتين فإن قيل: إن الفئة الرائية هم المسلمون فإنهم رأوا عدد المشركين عند بداية القتال على ما هم عليه. ثم قلل الله المشركين في أعين المسلمين حتى اجترءوا عليهم فصبروا على قتالهم بذلك السبب. قال ابن مسعود: نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا فاهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. وفي رواية أخرى عنه قال: لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة قال فأسرنا منهم رجلا فقلنا: كم كنتم قال: ألفا وإن قلنا إن الفئة الرائية هم المشركون على قول بعضهم إن الرؤية راجعة إلى المشركين يعني رأى المشركون المسلمين مثليهم فقلل الله المسلمين في أعين المشركين في أول القتال ليجترؤوا عليهم ولا ينصرفوا، فلما أخذوا في القتال كثر الله المسلمين في أعين المشركين ليجبنوا فيكون ذلك سبب خذلانهم، وقد روي أن المشركين لما أسروا يوم بدر قالوا للمسلمين: كم كنتم قالوا: كنا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا قالوا: يعني المشركين ما كنا نراكم إلّا تضعفون علينا فكان في وقعة بدر أحوال في التكثير والتقليل وما ذلك إلّا إظهارا للقدرة التامة وقوله تعالى: رَأْيَ الْعَيْنِ أي في رأي العين وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ أي يقوي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ يعني الذي ذكر من النصرة. وقيل رؤية الجيش مثليهم لَعِبْرَةً أي لآية والعبرة الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدية إلى