اركعي مع الراكعين ولم يقل: مع الراكعات لأن لفظ الراكعين أعم فيدخل فيه الرجال والنساء، والصلاة مع الرجال أفضل وأتم. وقيل: معناه افعلي كفعل الراكعين وقيل: المراد به الصلاة في جماعة أي صلى مع المصلين في جماعة. قوله عز وجل: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ يقول الله عز وجل لمحمد صلّى الله عليه وسلّم بذلك الذي ذكرت لك من حديث زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام من أخبار الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ أي نلقيه إليك يا محمد لأنه لا يمكنك أن تعلم أخبار الأمم الماضين إلّا بوحي منا إليك وإنما قال نوحيه لأنه رد الضمير إلى ذلك فلذلك يذكر اللفظ وَما كُنْتَ يعني يا محمد لَدَيْهِمْ هنالك عندهم إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ يعني التي كانوا يكتبون بها في الماء لأجل الاقتراع أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ يعني يربيها ويقوم بمصالحها قيل سبب منازعتهم في كفالة مريم حتى اقترعوا على ذلك أنها كانت بنت عمران وكان رئيسهم وكبيرهم فلأجل ذلك رغبوا في كفالتها وقيل: لأن مريم حررت لعبادة الله وخدمة المسجد وكان أبوها قد مات فلأجل ذلك رغبوا في كفالتها وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ يعني في كفالتها وتربيتها قوله عز وجل: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ معناه وما كنت لديهم يا محمد إذ يختصمون وما كنت لديهم إذ قالت الملائكة يعني جبريل عليه السلام: يا مريم إن الله يبشرك والبشارة إخبار المرء بما يسره من خير بكلمة منه يعني برسالة من الله وخير من عنده فهو كقول القائل ألقى إليّ فلان كلمة سرني بها وأخبرني خيرا فرحت به. ومعنى الآية إذ قالت الملائكة لمريم: يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده وهي ولد يولد لك من غير بعل ولا فحل وذلك الولد اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وقال قتادة في قوله تعالى بِكَلِمَةٍ مِنْهُ هو قوله تعالى: كن فسماه الله كلمة لأنه كان عن الكلمة التي هي كن كما يقال لما قدر الله من شيء هذا قدر الله وقضاء الله يعني أن هذا الأمر عن قدره وقضائه حدث. وقال ابن عباس: الكلمة هي عيسى عليه السلام وإنما سمي كلمة لأنه وجد عن الكلمة التي هي كن. فإن قلت إن كل مخلوق إنما يوجد بواسطة الكلمة التي هي كن فلم خص عيسى عليه السلام بهذا الاسم وسماه كلمة دون غيره؟. قلت: إن كل مخلوق وإن وجد حدوثه وخلقه بواسطة الكلمة إلّا أن هذا السبب ما هو المتعارف، ولما كان حدوث عيسى عليه السلام بمجرد الكلمة من غير واسطة أخرى فلا جرم كان إضافة حدوثه إلى الكلمة أتم وأكمل وبهذا التأويل حسن أن يسمى عيسى عليه السلام نفس الكلمة لأنه حدث عنها، فإن قلت الضمير في قوله اسم عائد إلى الكلمة وهي مؤنثة فلم ذكر الضمير؟ قلت: لأن المسمى بها مذكر فلهذا ذكر الضمير. فإن قلت لم قال اسمه المسيح عيسى ابن مريم وهذه ثلاثة الاسم منها واحد وهو عيسى، وأما المسيح فلقب وابن مريم صفة. قلت: الضمير في قوله اسمه يرجع إلى عيسى وللمسمى علامة يعرف بها ويتميز عن غيره فكأنه قال الذي يعرف به ويتميز عن سواه هو مجموع هذه الثلاثة واختلفوا لم سمي عيسى عليه السلام مسيحا وهل هو اسم مشتق أو موضوع؟ فقيل: إنه موضوع واسمه بالعبرانية مشيحا فغيرته العرب وأصل عيسى أيشوع كما قالوا موسى وأصله موشى أو ميشى وقال الأكثرون: إنه اسم مشتق ثم ذكروا فيه وجوها قال ابن عباس: سمي عيسى مسيحا لأنه ما مسح ذا عاهة إلّا برأ منها
وقيل لأنه مسح بالبركة وقيل: لأنه مسح من الأقذار وطهر من الذنوب، وقيل: إنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقيل: لأن جبريل عليه السلام مسحه بجناحه حتى لا يكون للشيطان عليه سبيل. وقيل: لأنه كان يسيح في الأرض ولا يقيم بمكان فكأنه يمسح الأرض أي يقطعها مساحة فعلى هذا القول تكون الميم زائدة وقيل سمي مسيحا لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص له وسمي الدجال مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين وقيل:
المسيح هو الصديق وبه سمي عيسى عليه السلام وقد يكون المسيح بمعنى الكذاب وبه سمي الدجال فعلى هذا تكون هذه الكلمة من الأضداد. وقوله تعالى: وَجِيهاً أي شريفا رفيعا ذا جاه وقدر فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ أما وجاهته في الدنيا فبسبب النبوة وأنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى وأما وجاهته في الآخرة فبسبب علو مرتبته عند الله وهو قوله تعالى: وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ يعني عند الله يوم القيامة لأن لأهل الجنة منازل ودرجات