أن يحجا ثانيا، ولا يجب على غير المستطيع لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فلو تكلف غير المستطيع الحج وحج صح حجه وسقط عنه فرض عنه فرض حجة الإسلام والاستطاعة نوعان:
أحدهما: أن يكون مستطيعا بنفسه، والآخر أن يكون مستطيعا بغيره فأما المستطيع بنفسه فهو أن يكون قويا قادرا على الذهاب ووجد الزاد والراحلة لما تقدم من حديث ابن عمر في الزاد والراحلة قال ابن المنذر، وحديث الزاد والراحلة لا يثبت لأنه ليس بمتصل وإنما المرفوع ما رواه إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإبراهيم متروك الحديث قال يحيى بن معين: إبراهيم ليس بثقة قال ابن المنذر: واختلف العلماء في قوله تعالى: من استطاع إليه سبيلا فقالت طائفة الآية على العموم إذ لا نعلم خبرا ثابتا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا إجماعا لأهل العلم يوجب أن نستثني من ظاهر الآية بعضا فعلى كل مستطيع الحج يجد إليه السبيل بأي وجه كانت الاستطاعة الحج على ظاهر الآية قال: وروينا عن عكرمة أنه قال: الاستطاعة الصحة، وقال الضحاك: إذا كان شابا صحيحا فليؤجر نفسه بأكله وعقبه حتى يقضي نسكه وقال مالك الاستطاعة على إطاقة الناس الرجل يجد الزاد والراحلة ولا يقدر على المشي وآخر يقدر على المشي على رجليه وقالت طائفة: الاستطاعة الزاد والراحلة كذلك قال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وأحمد بن حنبل واحتجوا بحديث ابن عمر المتقدم. وقال الشافعي:
الاستطاعة وجهان: أحدهما أن يكون الرجل مستطيعا ببدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج فتكون استطاعته تامة فعليه فرض الحج. والثاني: لا يقدر أن يثبت على الراحلة وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه، أو قادر على مال ويجد من يستأجره فيحج عنه فيكون هذا ممن لزمه فرض الحج. أما حكم الزاد والراحلة فهو أن يجد راحلة تصلح له ووجد من الزاد ما يكفيه لذهابه ورجوعه فاضلا عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقتهم وكسوتهم وعن دين إن كان عليه ووجد رفقة يخرجون في وقت جرت العادة بخروج أهل البلد في ذلك الوقت، فإن خرجوا قبله أو أخروا الخروج إلى وقت لا يصلون إلّا بقطع أكثر من مرحلة لا يلزمه الخروج معهم. ويشترط أن يكون الطريق آمنا فإن كان فيه خوف من عدو مسلم أو كافر أو رصدي يطلب الخفارة لا يلزمه. ويشترط أن تكون منازل الماء مأهولة معمورة يجد فيها ما جرت العادة بوجوده من الماء والزاد فإن تفرق أهلها بجدب أو غارت مياهها فلا يلزمه الخروج ولو لم يجد الراحلة وهو قادر على المشي أو لم يجد الزاد وهو قادر على الاكتساب لا يلزمه الحج عند من جعل وجدان الزاد والراحلة شرطا لوجوب الحج ويستحب له أن يفعل ذلك ويلزمه الحج عند مالك. وأما المستطيع بغيره فهو أن يكون الرجل عاجزا بنفسه بأن كان زمنا أو به مرض لا يرجى برؤه وله مال يمكنه أن يستأجر من يحج عنه فيجب عليه أن يستأجر من يحج عنه وإن لم يكن له مال وبذل له ولده أو أجنبي الطاعة في أن يحج عنه لزمه الحج إن كان يعتمد على صدقه لأن وجوب الحج متعلق بالاستطاعة. وعند أبي حنيفة لا يجب الحج ببذل الطاعة وعند مالك لا يجب على من غصب ماله وحجة من أوجب الحج ببذله الطاعة.
ما روي عن ابن عباس قال:«كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحجة أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال: نعم وذلك في حجة الوداع» أخرجاه في الصحيحين.
قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ يعني ومن جحد ما ألزمه الله من فرض حج بيته وكفر به فإن الله غني عنه وعن حجه وعمله وعن جميع خلقه وقيل نزلت فيمن وجد ما يحج ثم مات ولم يحج فهو كفر به لما روي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من ملك زادا أو راحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله تعالى يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا» أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. وفي إسناده مقال وهلال بن عبد الله