للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخافون في نقضكم العهد وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يعني بالقرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يعني أن القرآن موافق لما في التوراة من التوحيد والنبوة والأخبار ونعمت النبي صلّى الله عليه وسلّم فالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن تصديق للتوراة لأن التوراة فيها الإشارة إلى نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنه نبي مبعوث فمن آمن به فقد آمن بما في التوراة ومن كذبه وكفر به فقد كذب التوراة وكفر بها وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ الخطاب لليهود، نزلت في كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود، والمعنى ولا تكونوا يا معشر اليهود أول من كفر به. فإن قلت كيف جعلوا أول من كفر به وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب من أهل مكة وغيرهم؟ قلت: هذا تعريض لهم والمعنى كان يجب أن تكونوا أول من آمن به لأنكم تعرفون صفته ونعته بخلاف غيركم وكنتم تستفتحون به على الكفار فلما بعث كان أمر اليهود بالعكس.

وقيل معناه ولا تكونوا أول كافر به من اليهود فيتبعكم غيركم على ذلك فتبوءوا بإثمكم وإثم غيركم ممن تبعكم على ذلك وَلا تَشْتَرُوا أي ولا تستبدلوا بِآياتِي أي ببيان صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم التي في التوراة ثَمَناً قَلِيلًا أي عوضا يسيرا من الدنيا لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشيء اليسير الحقير الذي لا قيمة له والذي كانوا يأخذونه من الدنيا كالشيء اليسير بالنسبة إلى جميعها فهو قليل القليل فلهذا قال الله تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وذلك أن كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود وعلماءهم كانوا يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالهم وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئا معلوما من زرعهم وثمارهم ونقودهم وضروعهم فخافوا إن بينوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه واختاروا الدنيا على الآخرة وأصروا على الكفر وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ أي فخافون في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم. والتقوى قريب من معنى الرهبة والفرق بينهما أن الرهبة خوف مع حزن واضطراب والتقوى جعل النفس في وقاية مما تخاف. قوله عز وجل: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ أي ولا تكتبوا في التوراة ما ليس فيها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم. وقيل معناه ولا تخلطوا الحق الذي أنزل عليكم من صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم في التوراة الباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته وقيل لا تخلطوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم التي هي الحق بالباطل أي بصفة الدجال وذلك أنه لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسده اليهود وقالوا ليس هو الذي ننتظره وإنما هو المسيح ابن داود يعني الدجال وكذبوا فيما قالوا: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم نبي مرسل. وفيه تنبيه لسائر الخلق وتحذير من مثله فصار هذا الخطاب وإن كان خاصا في الصورة لكنه عام في المعنى فعلى كل أحد أن لا يلبس الحق بالباطل ولا يكتم الحق لما فيه من الضرر والفساد وفيه دلالة أيضا على أن العالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها وجميع أركانها وَآتُوا الزَّكاةَ أي أدوا الزكاة المفروضة عليكم في أموالكم وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أي صلوا مع المصلين، يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وعبر عن الصلاة بالركوع لأنه ركن من أركانها وهذا خطاب لليهود لأن صلاتهم ليس فيها ركوع فكأنه قال لهم صلوا صلاة ذات ركوع فلهذا المعنى أعاده بعد قوله وأقيموا الصلاة لأن الأول خطاب الكافة والثاني خطاب قوم مخصوصين وهم اليهود. وفيه حث على إقامة الصلاة في الجماعة فكأنه قال صلوا مع المصلين في الجماعة. قوله عز وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ الاستفهام فيه للتقرير مع التقريع والتعجب من حالهم. والبر اسم جامع لجميع أعمال الخير والطاعات، نزلت هذه الآية في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق وقيل إن جماعة من اليهود قالوا لمشركي العرب: إن رسولا سيظهر منكم ويدعوكم إلى الحق، وكانوا يرغبونهم في اتباعه فلما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم حسدوه وكفروا به فبكتهم الله ووبخهم بذلك حيث إنهم كانوا يأمرون الناس باتباعه قبل ظهوره، فلما ظهر تركوه وأعرضوا عنه. وقيل كانوا يأمرون الناس بالطاعة والصلاة والزكاة وأنواع البر ولا يفعلونه فوبخهم الله بذلك وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أي وتعدلون عما لها فيه نفع والنسيان عبارة عن السهو الحادث بعد حصول العلم والمعنى أتتركون أنفسكم ولا تتبعون محمدا صلّى الله عليه وسلّم وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>