للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزل عيسى إلى الأرض لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد يعبد غير الله إلّا آمن بعيسى وأنه عبد الله وكلمته ويدل على صحة هذا القول ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» زاد في رواية: «حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» ثم يقول أبو هريرة: «اقرءوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمنن به قبل موته» الآية وفي رواية قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والله لينزلن فيكم ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسعى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد» أخرجاه في الصحيحين. ففي هذا الحديث دليل على أن عيسى ينزل في آخر الزمان في هذه الأمة ويحكم بشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنه لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل يكون حاكما من حكام هذه الأمة وإماما من أئمتهم لقوله صلّى الله عليه وسلّم فيكسر الصليب يعني يكسره حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه. وكذلك قتله الخنزير وقوله ويضع الجزية يعني لا يقبلها ممن بدلها من اليهود والنصارى. ولا يقبل من أحد إلّا الإسلام أو القتل وعلى هذا قد يقال هذا خلاف منا هو حكم الشرع اليوم فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها منه ولم يجز قتله ولا إجباره على الإسلام والجواب أن هذا الحكم ليس مستمر إلى يوم القيامة بل هو مقيد بما قبل نزول عيسى عليه السلام وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بنسخه وليس الناسخ هو عيسى عليه السلام يحكم بشريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم والله أعلم. قال الزجاج هذا القول بعيد يعني قول من قال إن إيمان أهل الكتاب بعيسى إنما يكون عند نزوله في آخر الزمان قال لعموم قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قال والذين يبقون يومئذ يعني عند نزوله شرذمة قليلة منهم وأجاب

أصحاب هذا القول يعني الذين يقولون إن إيمان أهل الكتاب بعيسى إنما يكون عند نزوله في آخر الزمان بأن هذا على العموم. ولكن المراد بهذا العموم الذين يشاهدون ذلك الوقت ويدركون نزوله فيؤمنون به ويكون معنى الآية وما من أحد، من أهل الكتاب أدرك ذلك الوقت إلّا آمن بعيسى عند نزوله من السماء وصحح الطبري هذا القول وقال عكرمة في معنى الآية وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمنن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم قبل موت الكتابي فلا يموت يهودي ولا نصراني حتى يؤمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وذلك عند الحشرجة حتى لا ينفعه إيمانه.

وقوله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً يعني يكون عيسى عليه السلام شاهدا على اليهود أنهم كذبوه وطعنوا فيه وعلى النصارى أنهم اتخذوه ربا وأشركوا به ويشهد على تصديق من صدقه منهم وآمن به قال قتادة معناه إنه يكون شهيدا يوم القيامة إنه قد بلغ رسالة ربه وأقر على نفسه بالعبودية.

قوله عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا يعني فبسبب ظلم منهم حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ يعني ما حرمنا عليهم الطيبات التي كانت حلالا لهم إلّا بظلم عظيم ارتكبوه وذلك الظلم هو ما ذكره من نقضهم الميثاق وما عدد عليهم من أنواع الكفر والكبائر العظيمة مثل قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وكقولهم أرنا الله جهرة وكعبادتهم العجل فبسبب هذه الأمور حرم الله عليهم طيبات كانت حلالا لهم وهي ما ذكره في سورة الأنعام في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ الآية وقال الطبري: في معنى الآية فحرمنا على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا ربهم به وكفروا بآيات الله، وقالوا أنبيائهم وقالوا البهتان على مريم وفعلوا ما وصفهم الله به في كتابه طيبات من المآكل وغيرها التي كانت لهم حلالا عقوبة لهم بظلمهم الذي أخبر الله عنهم في كتابه.

وروي عن قتادة قال عوقب القوم بظلم ظلموه وبغي بغوة وحرمت عليهم أشياء ببغيهم وظلمهم. ونقل الواحدي وابن الجوزي عن مقاتل قال كان الله حرم على أهل التوراة أن يأكلوا الربا ونهاهم أن يأكلوا أموال الناس ظلما فأكلوا الربا وأكلوا أموال الناس ظلما بالباطل وصدوا عن دين الله وعن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فحرم الله عليهم عقوبة

<<  <  ج: ص:  >  >>