وجل. وقيل: الطيبات كل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة. واعلم: أن العبرة في الاستطابة والاستلذاذ بأهل المروءة والأخلاق الجميلة من العرب، فإن أهل البادية منهم يستطيبون أكل جميع الحيوانات فلا عبرة بهم لقوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ فإن الخبيث غير مستطاب، فصارت هذه الآية الكريمة نصا فيما يحل ويحرم من الأطعمة. وقوله تعالى: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ يعني وأحل صيد ما علمتم من الجوارح فحذف ذكر الصيد وهو مراد في الكلام لدلالة الباقي عليه ولأنهم سألوا عن الصيد وقيل: إن قوله وما علمتم من الجوارح ابتداء كلام خبره فكلوا مما أمسكن عليكم وعلى هذا القول يصح معنى الكلام من غير إضمار. والجوارح: جمع جارحة وهي الكواسب من: السباع والطير كالفهد والنمر والكلب والبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق من الطير مما يقبل التعليم سميت جوارح من الجرح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه وقيل: سميت جوارح لأنها تكسب. والجوارح: الكواسب من جرح واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى: الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ
يعني اكتسبوا وقوله ويعلم ما جرحتم بالنهار أي اكتسبتم مكلبين يعني معلمين.
والمكلب: هو الذي يغري الكلاب على الصيد. وقيل: هو مؤدّب الجوارح ومعلمها وإنما اشتق له هذا الاسم من الكلب، لأنه أكثر احتياجا إلى التعليم من غيره من الجوارح. (تعلمونهن) يعني تعلمون الجوارح الاصطياد مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ يعني من العلم الذي علمكم الله، ففي الآية دليل على أنه لا يجوز صيد جارحة ما لم تكن معلمة. وصفة التعليم هو أن الرجل يعلم جارحة الصيد وذلك أن يوجد فيها أمور منها: أنه إذا أشليت «١» على الصيد استشلت وإذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل منها شيئا ومنها أن لا ينفر منه إذا أراده وأن يجيبه إذا دعاه فهذا هو تعليم جميع الجوارح فإذا وجد ذلك منها مرارا كانت معلمة وأقلها ثلاث مرات فإنه يحل قتلها إذا جرحت بإرسال صاحبها (ق). عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا قوم نصيد بهذه الكلاب؟ فقال «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليه فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».
وفي رواية: فإنك لا تدري أيها قتل وسألته عن الصيد المعراض، فقال: إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل فإن وقع في المال فلا تأكل.
واختلف العلماء فيما إذا أخذت الكلاب الصيد وأكلت منه شيئا فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه ويروى ذلك عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاوس الشعبي وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أصح قول الشافعي ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ورخص بعضهم في أكله يروي ذلك عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وبه قال مالك لما روي عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه» أخرجه أبو داود. وأما غير المعلم من الجوارح إذا أخذت صيدا أو المعلم إذا خرج بغير إرسال صاحبه فأخذ وقتل فإنه لا يحل إلا أن يدركه حيا فيذبحه فيحل (ق).
(١) قوله إذا أشليت قال في الصحاح وقول الناس أشليت الكلب على الصيد خطأ وقال أبو زيد أشليت الكلب دعوته وقال ابن السكيت يقال أو سدت الكلب بالصيد وآسدته إذا أغربته به ولا يقال أشليته إنما الإشلاء الدعاء اهـ.