وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ اختلف العلماء في القدر الذي يجب مسحه من الرأس فقال مالك يجب مسح جميعه وهو إحدى الروايتين عن أحمد والرواية الأخرى عنه أنه يجب مسح أكثره وقال أبو حنيفة: يجب مسح ربعه. وفي رواية أخرى عنه: يجب مسح قدر ثلاثة أصابع منه وقال الشافعي الواجب مسح ما ينطلق عليه اسم المسح والمراد إلصاق المسح بالرأس وماسح بعضه ومستوعبه بالمسح كلاهما ملصق للمسح بالرأس فأخذ مالك بالاحتياط فأوجب الاستيعاب وأخذ الشافعي باليقين فأوجب مسح ما يقع عليه اسم المسح وأخذ أبو حنيفة ببيان السنة وهو ما روي عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين متفق عليه وقدر الناصية بربع الرأس. الفرض الرابع: قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ اختلف العلماء في هذا الحكم. وهل فرض الرجلين المسح أو الغسل؟ فروى عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. ويروى ذلك عن قتادة أيضا. ويروى عن أنس أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل. وعن عكرمة قال: ليس في الرجلين إنما نزل فيهما المسح. وعن الشعبي أنه قال: إنما هو المسح عن الرجلين. ألا ترى إن ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم وما كان عليه المسح أهمل. ومذهب الإمامية من الشيعة: أن الواجب في الرجلين المسح.
وقال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم والأئمة الأربعة وأصحابهم: إن فرض الرجلين هو الغسل. وقال داود الظاهري: يجب الجمع بينهما. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين الغسل والمسح. وسبب هذا الاختلاف، اختلاف القراء في هذا الحرف. فقرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم: وأرجلكم بفتح اللام عطفا على الغسل فيكون من المؤخر الذي معناه التقديم ويكون المعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برءوسكم. وقال أصحاب هذه القراءة:
إنما أمر الله عباده بغسل الأرجل دون مسحها ويدل عليه أيضا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين فمن بعدهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وأرجلكم بكسر اللام عطفا على المسح. أما قراءة النصب فالمعنى فيها ظاهر لأنه عطف على المغسول لوجوب غسل الرجلين على مذهب الجمهور ولا يقدح فيه قول من خالف. وأما قراءة الكسر فقد اختلفوا في معناها والجواب عنها فقال أبو حاتم وابن الأنباري وأبو علي الكسر عطف على الممسوح، غير أن المراد بالمسح في الأرجل الغسل. وقال أبو زيد: المسح خفيف الغسل لقول العرب تمسحت للصلاة بمعنى توضأت لها وهات ما أتمسح به للصلاة بمعنى أتوضأ.
قال أبو حاتم: وذلك أن المتوضئ لا يرضى بصب الماء على أعضائه حتى يمسحها مع الغسل فسمي الغسل مسحا بهذا الاعتبار فعلى هذا الرأس والرجل ممسوحا إلا أن مسح الرأس أخف. والذي يدل على أن المراد بالمسح في الرجل الغسل ذكر التحديد وهو قوله تعالى: إلى الكعبين لأن التحديد إنما جاء في المغسول ولم يجئ في الممسوح فلما وقع التحديد مع المسح علم أنه في حكم الغسل. وقال جماعة من العلماء: إن الأرجل معطوفة على الرؤوس في الظاهر والمراد فيها الغسل لأنه قد ينسق بالشيء على غيره والحكم فيهما مختلف كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا
والمعنى: وحاملا رمحا لأن الرمح لا يتقلد به وكذلك قول الآخرين. علفتها تبنا وماء باردا. يعني وسقيتها ماء باردا. وكذلك المعنى في الآية وامسحوا برءوسكم واغسلوا أرجلكم فلما لم يذكر الغسل وعطفت الأرجل على الرؤوس في الظاهر اكتفى بقيام الدليل على أن الأرجل مغسولة من مفهوم الآية والأحاديث الصحيحة الواردة بغسل الرجلين في الوضوء. وأما من جعل كسر اللام في الأرجل على مجاورة اللفظ دون الحكم واستدل بقولهم: جحر ضب خرب. وقال الخرب نعت للجحر لا للضب وإنما أخذ إعراب الضب للمجاورة فليس