للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفوا من الحق فأنزل الله فيهم ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ إلى آخر الآيتين فقال النجاشي لجعفر وأصحابه اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يعني أنكم آمنون فرجع عمرو وأصحابه خائبين وأقام المسلمون عند النجاشي بخير دار وخير جوار إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعلا أمره وقهر أعداءه وذلك في سنة ست من الهجرة وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قد هاجرت مع زوجها ومات عنها فأرسل النجاشي جارية يقال لها أبرهة إلى أم حبيبة يخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطبها فسرت بذلك وأعطت الجارية أوضاحا كانت لها وأذنت لخالد بن سعيد في نكاحها فأنكحا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق مبلغه أربعمائة دينار وكان الخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي فأرسل إليها بجميع الصداق على يد جاريته أبرهة فلما جاءتها بالدنانير وهبتها منها خمسين دينار فلم تأخذها. وقالت:

إن الملك أمرني أن لا أخذ منك شيئا. وقالت: أنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرئيه مني السلام. قالت: نعم. فقالت قد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من دهن وعود وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عندها فلا ينكره. قالت أم حبيبة: فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر خيبر فخرج من خرج إليه ممن قدم من الحبشة وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسألني عن النجاشي وقرأت عليه السلام من أبرهة جارية الملك فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها السلام وأنزل الله عز وجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً يعني أبا سفيان وذلك بتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ولما بلغ أبا سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قال ذلك الفحل لا يجدع أنفه. وبعث النجاشي بعد خروج جعفر وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه أزهى في ستين رجلا من أصحابه وكتب إليه يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفرا وأسلمت لله رب العالمين وقد بعثت إليك ابني أزهى وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله. فركبوا في سفينة قي أثر جعفر حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخير ووافى مع جعفر سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون رجلا من الحبشة وثمانية من الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يس إلى آخرها فبكى القوم حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام فأنزل الله هذه الآية فيهم وهي قول: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى يعني: وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون وكانوا من أصحاب الصوامع.

وقيل: نزلت في ثمانين رجلا أربعين من نصارى نجران من بني الحرث بن كعب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية روميين من أهل الشام. وقال قتادة: نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق بما جاء به عيسى عليه السلام فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه فأثنى الله عليهم بقوله: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يعني لا يتعظمون عن الإيمان والإذعان للحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>