وقيل: هما مرادان بالآية فلا يجوز قتل الصيد للمحرم ولا في الحرم نزلت هذه الآية في أبي اليسر شد على حمار وحش فقتله وهو محرم ثم صار هذا الحكم عاما فلا يجوز قتل الصيد ولا التعرض له ما دام محرما ولا في الحرم. والمراد بالصيد، كل حيوان متوحش مأكول اللحم وهذا قول الشافعي. وقال أبو حنيفة: هو كل حيوان متوحش سواء كان مأكولا أو لم يكن فيجب عنده الضمان على من قتل سبعا أو نمرا أو نحو ذلك واستثنى الشارع خمس فواسق فأجاز قتلهن (ق).
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وفي رواية: «خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام»(ق). عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم:
الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ولمسلم «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم» وذكر نحوه. وفي رواية النسائي قال:«خمس يقتلن المحرم: الحية، والعقرب، والفأرة، والغراب الأبقع، والكلب العقور». قال ابن عيينة: الكلب العقور كل سبع ضار يعقر. وقاس الشافعي عليها جميع ما لا يؤكل لحمه، قال:
لأن الحديث يشتمل على أشياء بعضها سباع ضارية وبعضها هوام قاتلة وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا في معنى الهوام وإنما هو حيوان مستخبث اللحم. وتحريم الأكل، يجمع الكل فاعتبره ورتب عليه الحكم.
وذهب أصحاب الرأي إلى وجوب الجزاء في كل ما لا يؤكل لحمه إلا الأعيان المذكورة في الحديث وقاسوا عليها الذئب فلم يوجبوا فيه كفارة.
قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً قال مجاهد والحسن وابن زيد: هو الذي يتعمد قتل الصيد مع نسيان الإحرام فعليه الجزاء.
أما إذا تعمد قتل الصيد ذكرا لإحرامه، فلا جزاء عليه لأنه أعظم من أن يكون له كفارة. وقال ابن عباس والجمهور: يحكم عليه بالجزاء وإن تعمد القتل مع ذكر الإحرام وهذا مذهب عامة الفقهاء، أما إذا قتل الصيد خطأ بأن قصد غيره بالرمي فأصابه، فهو كالعمد في وجوب الجزاء وهذا مذهب جمهور المفسرين والفقهاء قال الزهري: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ يعني ألحقت المخطئ بالمتعمد في وجوب الجزاء وقال سعيد بن جبير: لا أرى في الخطأ شيئا وهذا قول شاذ لا يؤخذ به فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يعني فعليه جزاء من النعم مثل ما قتل والمثل والشبه واحد واختلفوا في هذه المماثلة أهي بالخلقة أم بالقيمة والذي عليه جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم أن المماثلة في الخلقة معتبرة لأن ظاهر الآية يدل على ذلك وما لا مثل له فالقيمة، وقال أبو حنيفة: المثل الواجب في قتل الصيد هو القيمة لأن الصيد المقتول إذا لم يكن له مثل فإنه يضمن بالقيمة وهذا لا نزاع فيه فكان المراد بالمثل هو القيمة في هذه الصورة فوجب أن يكون في سائر الصور كذلك لأن اللفظ الواحد لا يجوز حمله إلا على معنى واحد وأجيب عنه بأن حقيقة المماثلة أمر معلوم فيجب رعايتها بأقصى الإمكان وإن لم تكن رعايتها إلا بالقيمة وجب الاكتفاء بها للضرورة وحجة الشافعي ومن وافقه في اعتبار المماثلة بالخلقة أن الصحابة حكموا في بلدان شتى وأزمان مختلفة بالمثل من النعم فحكموا في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة وحكموا في حمار الوحش ببقرة وهو لا يساوي بقرة وكذا في الضبع بكبش فدل ذلك على أنهم إنما نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبها من حيث الخلقة فحكموا به ولم يعتبروا القيمة فيجب في الظبي شاة وفي الأرنب سخل وفي الضب سخلة وفي اليربوع جفرة ويجب في الحمامة وكل ما عبّ وهدر كالفواخت والقمري وذوات الأطواق شاة وما سواه من الطير ففيه القيمة في المكان الذي أصيب فيه. وروي عن عثمان وابن عباس أنهما حكما في حمام الحرم. وروي عن عمر أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة.