قوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ يعني: سكن لأن السكوت أصله الإمساك عن الشيء ولما كان السكوت بمعنى السكون استعير في سكون الغضب لأن الغضب لا يتكلم لكنه لما كان بفورته دالّا على ما في نفس المغضب كان بمنزلة الناطق فإذا سكنت تلك الفورة كان بمنزلة السكوت عما كان متكلما به وقيل معناه ولما سكت موسى عن الغضب فهو من المقلوب كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي والمعنى أدخلت رأسي في القلنسوة والقول الأول أصح لأنه قول أهل اللغة والتفسير أَخَذَ الْأَلْواحَ يعني التي ألقاها قال الإمام فخر الدين:
وظاهر هذا يدل على أن الألواح لم تتكسر ولم يرفع من التوراة شيء وَفِي نُسْخَتِها النسخ عبارة عن النقل والتحويل فإذا نسخت كتابا من كتاب حرفا بحرف فقد نقلت ما في الأصل إلى الفرع فعلى هذا قيل أراد بها الألواح لأنها نسخت من اللوح المحفوظ، وقيل: أراد بها النسخة المكتتبة من الألواح التي أخذها موسى بعد ما تكسرت. وقال ابن عباس وعمرو بن دينار: لما ألقى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوما فردت عليه في لوحين وفيهما ما في الأولى بعينها فيكون نسخها نقلها وعلى قول من قال إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بعينها بعد ما ألقاها يكون معنى وفي نسختها المكتوب فيها هُدىً وَرَحْمَةً قال ابن عباس: يعني هدى من الضلالة ورحمة من العذاب لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ يعني للخائفين من ربهم.
قوله عز وجل: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا الاختيار افتعال من لفظ الخيار يقال اختار الشيء إذا أخذ خيره وخياره. والمعنى اختار موسى من قومه فحذف كلمة من وذلك سائغ في العربية لدلالة الكلام عليه. قال أصحاب الأخبار: إن موسى عليه الصلاة والسلام اختار من كل سبط من قومه ستة نفر فكانوا اثنين وسبعين فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاحوا فقال لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد يوشع بن نون وكالب بن يقونا وقيل إنه لم يجد إلا ستين شيخا فأوحى الله إليه أن يختار من الشباب عشرة فاختارهم فأصبحوا شيوخا فأمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ثم ذهب بهم إلى ميقات ربه واختلف أهل التفسير في ذلك الميقات فقيل إنه الميقات الذي كلمه فيه ربه وسأل فيه الرؤية وذلك أنه لما خرج إلى طور سيناء أخذ معه هؤلاء السبعين فلما دنى موسى من الجبل وقع عليه عمود من الغمام حتى أحاط بالجبل كله ودخل موسى فيه وقال لقومه ادنوا فدنوا حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجدا وسمعوا الله تعالى وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل كذا لا تفعل كذا فلما انكشف الغمام أقبلوا على موسى وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهي المراد من الرجفة المذكورة في هذه الآية. وقال السدي: إن الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعدا فاختار موسى من قومه سبعين رجلا ثم ذهب بهم إلى ميقات ربه ليعتذروا فلما أتوا ذلك المكان قالوا «لن نؤمن لك» يا موسى «حتى نرى الله جهرة» فإنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي. وقال محمد بن إسحاق اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم ثم خرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم فقال السبعون فيما ذكر لي حين فعلوا ما أمرهم به وخرجوا مع موسى لميقات ربه اطلب لنا نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى غشي الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم ادنوا فكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام ووقعوا سجودا فسمعوا الله وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل فلما فرغ من أمره انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي مرجفة فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه يقول رب لو شئت أهلكتهم من