والمعرفة وإليها الإشارة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.
قوله عز وجل: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ذكر الإمام فخر الدين الرازي في معنى هذه التبعية وجهين:
أحدهما: إن المراد بذلك أن يتبعوه باعتقاد نبوته من حيث وجدوا صفته في التوراة إذ لا يجوز أن يتبعوه في شرائعه قبل أن يبعث إلى الخلق وفي قوله والإنجيل أن المراد وسيجدونه مكتوبا في الإنجيل لأن من المحال أن يجده فيه قبل ما أنزل الله الإنجيل.
الوجه الثاني: إن المراد من لحق من بني إسرائيل زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين تعالى أن هؤلاء اللاحقين لا يكتب لهم رحمة الآخرة إلا إذا اتبعوه، قال: وهذا القول أقرب لأن اتباعه قبل أن يبعث لا يمكن فبين بهذه الآية أن هذه الرحمة لا يفوز بها من بني إسرائيل إلا من اتقى وآتى الزكاة وآمن بآيات الله في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، ومن كانت هذه صفته في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرائعه فعلى هذين الوجهين يكون المراد بقوله الذين يتبعون الرسول من بني إسرائيل خاصة. وجمهور المفسرين على خلاف ذلك فإنهم قالوا: المراد بهم جميع أمته الذين آمنوا به واتبعوه سواء كانوا من بني إسرائيل أو غيرهم وأجمع المفسرون على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصفه بكونه رسولا لأنه الواسطة بين الله وبين خلقه المبلغ رسالته وأوامره ونواهيه وشرائعه إليهم ثم وصفه بكونه نبيا.
وهذا أيضا من أعلى المراتب وأشرفها وذلك يدل على أنه رفيع الدرجات عند الله المخبر عنه ثم وصفه بالأمي. قال ابن عباس: هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب قال الزجاج في معنى الأمي: هو الذي على صفة أمة العرب لأن العرب أكثرهم لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك فلهذا وصفه الله تعالى بكونه أميا وصح في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال «نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» قال أهل التحقيق: وكونه صلى الله عليه وسلم كان أميا من أكبر معجزاته وأعظمها، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم أتى بهذا الكتاب العظيم الذي أعجزت الخلائق فصاحته وبلاغته وكان يقرؤه عليهم بالليل والنهار من غير زيادة فيه ولا نقصان منه ولا تغيير فدل ذلك على معجزته وهو قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى وقيل: إنه لو كان يحسن الكتابة ثم إنه أتى بهذا القرآن العظيم لكان متهما فيه لاحتمال أنه كتبه ونقله عن غيره فلما كان أميا وأتى بهذا القرآن العظيم الذي فيه علم الأولين والآخرين والمغيبات دل ذلك على كونه معجزة له صلى الله عليه وسلم. وأيضا فإن الكتابة تعين الإنسان على الاشتغال بالعلوم وتحصيلها ثم إنه أتى بهذه الشريعة الشريفة والآداب الحسنة مع علوم كثيرة وحقائق دقيقة من غير مطالعة كتب ولا اشتغال على أحد فدل ذلك على كونه معجزة له صلى الله عليه وسلم وقيل في معنى الأمي: الذي هو منسوب إلى أمه كأنه لم يخرج بعد عما ولدته عليه وقيل سمي أميا لأنه منسوب إلى أم القرى وهي مكة وقوله تعالى: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يعني يجيدون صفته ونعته ونبوته مكتوبا عندهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم ولكنهم كتموا ذلك وبدلوه وغيروه حسدا منهم له وخوفا على زوال رئاستهم وقد حصل لهم ما كانوا يخافونه فقد زالت رئاستهم ووقعوا في الذل والهوان (خ) عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة فقال: أجل إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.
((شرح غريب ألفاظ الحديث)) الفظ: السيئ الخلق، والغليظ: الجافي القاسي، وقوله سخاب: بالسين والصاد وهو كثير الصياح في