للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مائع كالماء مع الطين كثر استعماله حتى صار يستعمل في كل دخول مع تلويث وأذى قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المنافقين أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ فيه توبيخ وتقريع للمنافقين وإنكار عليهم والمعنى كيف تقدمون على إيقاع الاستهزاء بالله يعني بفرائض الله وحدوده وأحكامه والمراد بآياته كتابه وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن المنافقين لما قالوا كيف يقدر محمد على أخذ حصون الشام. قال بعض المسلمين: الله يعينه على ذلك فذكر بعض المنافقين كلاما يشعر بالقدح في قدرة الله وإنما ذكروا ذلك على طريق الاستهزاء.

قوله عز وجل: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ يعني قل لهؤلاء المنافقين لا تعتذروا بالباطل.

ومعنى الاعتذار محو أثر الموجدة من قلب المعتذر إليه. وقيل: معنى العذر قطع اللائمة عن الجاني. قد كفرتم بعد إيمانكم: يعني الاستهزاء بالله كفر والإقدام عليه يوجب الكفر فلهذا قال سبحانه وتعالى لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم فإن قلت إن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فكيف قال قد كفرتم بعد إيمانكم.

قلت: معناه أظهرتم الكفر بعد ما كنتم قد أظهرتم الإيمان وذلك أن المنافقين كانوا يكتمون الكفر ويظهرون الإيمان فلما حصل ذلك الاستهزاء منهم وهو كفر قيل لهم قد كفرتم بعد إيمانكم. وقيل: معناه قد كفرتم عند المؤمنين بعد أن كنتم عندهم مؤمنين.

وقوله سبحانه وتعالى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ ذكر المفسرون أن الطائفتين كانوا ثلاثة فالواحد طائفة والاثنان طائفة. والعرب توقع لفظ الجمع على الواحد فلهذا أطلق لفظ الطائفة على الواحد.

قال محمد بن إسحاق: الذي عفى عنه رجل واحد وهو مخشى بن حمير الأشجعي يقال إنه هو الذي كان يضحك ولا يخوض. وقيل: إنه كان يمشي مجانبا لهم وينكر بعض ما يسمع فكان ذنبه أخف فلما نزلت الآية تاب من نفاقه ورجع إلى الإسلام وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آية تقرأ عني بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت، فأصيب يوم اليمامة ولم يعرف أحد من المسلمين مصرعه قوله سبحانه وتعالى: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يعني أنهم على أمر واحد ودين واحد مجتمعون على النفاق والأعمال الخبيثة كما يقول الإنسان لغيره أنا منك وأنت مني أي أمرنا واحد لا مباينة فيه يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ يعني يأمر بعضهم بعضا بالشرك والمعصية وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ يعني عن الإيمان والطاعة وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ يعني عن الإنفاق في سبيل الله تعالى وفي كل خير نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ هذا الكلام لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأنا لو حملناه على النسيان الحقيقي لم يستحقوا ذما عليه لأن النسيان ليس في وسع البشر دفعه وأيضا فإن النسيان في حق الله محال فلا بد من التأويل وقد ذكروا فيه وجهين الأول معناه أنهم تركوا أمره حتى صاروا بمنزلة الناسين له فجازاهم بأن صيرهم بمنزلة المنسى من ثوابه ورحمته فخرج على مزاوجة الكلام فهو كقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.

الوجه الثاني: أن النسيان ضد الذكر فلما تركوا ذكر الله وعبادته ترك الذكر لأن من ترك شيئا لم يذكره وقيل لما تركوا طاعة الله والإيمان به تركهم من توفيقه وهدايته في الدنيا ومن رحمته في العقبى إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ يعني هم الخارجون عن الطاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>